يقف الفنان التركي حياتي توسونر أمام حوض مائي ينثر الألوان ممسكاً بريشته ملتفاً حوله الجمهور في حالة ترقب وتأمل لما يشكله على سطح الماء ليدوي صوت تصفيقهم عقب انتهائه من عمله الفني الذي يعرف باسم «الأبرو» أو الرسم على الماء. ويقيم توسونر في القاهرة منذ ثلاث سنوات، ويتعلم اللغة العربية لإيمانه بأهميتها كونها لغة الحضارة الإسلامية ولفت انتباهه عدم معرفة المصريين بفن «الأبرو» فقرر أن ينشره، وبدأ منذ سنة بتدريسه لمجموعة من الطلاب المصريين والوافدين في المركز الثقافي التركي . ويحاول أن ينقل للدارسين خبراته التي تعلمها إلى جانب دراسته في كلية الإلهيات في جامعة مرمرة في إسطنبول مؤكداً أن فنان الأبرو عليه التمتع بالصبر لتعدد الخطوات حتى الوصول إلى عمل فني مكتمل لا سيما أن الرسم على الماء تتدخل فيه عوامل أخرى غير الموهبة منها درجة الحرارة. وشارك توسونر في عدد من المعارض مع زوجته التي تجيد الأبرو أيضاً آخرها معرض كلية الفنون الجميلة في محاولة لإبراز جماليات فن الأبرو الذي لا يعتبره مجرد فن ولوحات معلقة على الحوائط بينما يمثل حلقة تواصل بين الناس على اختلاف أجناسهم وديانتهم يساهم في ترسيخ المحبة وتوحيدهم فالجمال لا يختلف عليه أحد. يبدأ الفنان عمله بملء الحوض بالماء ويضيف إليها «كتره» وهي مادة صمغية ويقوم بعدها برش الألوان على سطح الماء وبفرشاة أو سلك رفيع يشكلها ويخلط الألوان في شكل متجانس ثم يضع عليها ورقة تمتص الصبغات ويسحبها فتظهر اللوحة بصورة مكتملة تبهر الجميع. يوضح توسونر أن فن الأبرو لا يعتمد على موهبة الفنان فحسب، وإنما هناك موهبة أخرى للماء على رغم أن أدوات المستخدمة للرسم على الماء بسيطة وتقليدية لا تتعدى الفرشاة والألوان والورق وحوض مصنوع من الزنك ولكن تكمن الصعوبة في الدقة التي يحاول الالتزام بها خصوصاً أن الماء مادة ليس من السهل التحكم فيها فاهتزاز بسيط قد يغير من الشكل النهائي للوحة الأبرو. ويوضح أن أبرو هي كلمة تركية تعني الورق الملون والمجزع بألوان مختلفة في شكل مموج يشبه حاجب العين يستخدم في تغليف الكتب ويعود جذور هذا الفن إلى آسيا الوسطى وانتقل إلى تركيا عبر الهجرة وحركة التجارة حتى أصبح أحد أهم الفنون التركية بشتى أنواعه فهناك أبرو الورد أو الزهور والأبرو القديم. يضم هذا الفن مجموعة من الرموز فالوردة المتفتحة تدل على الكثرة وأيضاً تمام الكمال وسمو الروح أما البرعم يرمز للوحدة كما أن الخطوط البيضاوية والحركات الدائرية التي يشكل بها الفنان عمله تدعو إلى التسامح وتساهم في معالجة النفس. أما عن أعماله الفنية تتميز بتجسيد بعض الجماليات التي تتسم بها مصر ولا يعرفها الأتراك مثل «النخل»، إضافة إلى كتابة كلمات بالأبرو كلفظ الجلالة وهو الأمر الذي يحتاج منه تجارب عدة لصعوبة تنفيذ ذلك على الماء ويسعى في الفترة المقبلة إلى التركيز على هذا النوع بالإضافة إلى إدخال بعض التطويرات باستخدام خامة القماش بدلاً من الورق.