كثيراً ما اتهمت شبكة الإنترنت بأنها تتيح الكذب وتلفيق المعلومات وإثارة البلبلة. وكثيراً ما حُذّر رواد شبكات التواصل الاجتماعي من الدخول إلى حجرات الدردشة مع أشخاص لا يعرفونهم جيّداً، خصوصاً أن كثيراً من المراهقين يهوون إنشاء حسابات لهم على شبكات التواصل الاجتماعي بأسماء مستعارة. ويتعمد البعض التضليل في هذه الأسماء، وصولاً إلى الكذب بشأن جنسها. وكثيراً ما جرى الحديث عن دخول شاب في حب إلكتروني، وعندما يحدّد موعداً للقاء واقعي، يكتشف أن «حبيبته» ما هي إلا شقيقه الجالس في الحجرة المجاورة! في السياق عينه، تأتي المشاكل التي يقع فيها بعض المشاهير أو المسؤولين عندما تُنشأ حسابات بأسمائهم، وتنشر ما لا صلّة بهم إطلاقاً. كشف الكذب في هذا المعنى، ربما بدت مفارقة كبيرة أن تكون الإنترنت أداة لكشف الكذب أيضاً. إذ لا يتطلّب هذا الأمر استخدام برامج معينة. يكفي شيء من التركيز من قِبل رواد «فايسبوك»، خصوصاً محترفي تصفحها، كي يكتشفوا أكاذيب كثيرة. ومثلاً، أوضحت شيري، وهي شابة مصريّة وربة منزل، أن انشغالها بعملها وببيتها يدفعها إلى تحجيم تردّدها على شبكات التواصل الاجتماعي التي تسرق الوقت، وفق تعبيرها، بل أنها غالباً ما تختار لنفسها عنوان «أوف لاين» ( «خارج الخط») على ال «شات» حتى لا تضطر للدخول في دردشة مع الأصدقاء. وعلى رغم هذه الاحتياطات، أوردت شيري أنها وقعت في مأزق كبير، إذ هاتفتها زميلة لها في العمل على الخليوي، فلم ترد. وعندما سألتها صباحاً عن سبب عدم الرد، أجابت بأنها كانت مرهقة فنامت مبكراً، فإذا بتلك ترد مستنكرة: «رأيت تعليقات لك على ال «فايسبوك» في ذلك التوقيت»! وفي حدث مماثل، اعتادت سارة أن تترك رسائل لصديقتها في مربعات الدردشة لتسألها عن بعض التفاصيل في الواجبات المدرسيّة. وأحياناً، لم تكن زميلتها تردّ عليها. وعندما تسألها عن السبب، كانت الزميلة تؤكد أنها لم تدخل على «فايسبوك» تلك الليلة. وكان هذا التصرف التلقائي من زميلتها سبباً في اكتشاف كذبها. فالرسالة التي أرسلتها سارة ظهر فيها عندما فتحتها لاحقاً أن صديقتها رأتها بعدما كتبتها بدقائق قليلة، وفق ما ظهر في المربع المخصّص ل «سين» seen («نُظِر») الذي يكشف وقت الدخول إلى الرسالة أيضاً. ومع الوقت، لاحظت سارة تكرار الكذب الإلكتروني فبدأت تغيّر فكرتها عن صديقتها التي كانت تثق بها. أما الذين يدخلون على «فايسبوك» من هواتفهم الجوّالة، فإن رسائلهم تساعد على معرفة مكان وجودهم أيضاً! وساعد هذا في كشف كذب أزواج على زوجاتهم، وأبناء على ذويهم، وموظفين على أصحاب عملهم. وتتحدث نيفين عن تجربة لها في هذا الأمر قائلة: «يشكّل «فايسبوك» كارثة على الأزواج. فعندما تأخر زوجي وطلبته على هاتفه الجوال، لم يرد. أرسلت إليه رسالة على «فايسبوك»، ورأيت في مربع «سين» أنه فتحها، لكنه لم يرد أيضاً. وعندما عاد إلى المنزل، قال إنه لم يسمع الهاتف ولم يلتفت إلى «فايسبوك»! وكذلك يقول هيثم (طالب جامعي): «حاولت والدتي استغلال التكنولوجيا في معرفة مكان وجودي، من طريق «فايسبوك». ولكنني عندما أجد ذلك المظروف الأحمر الصغير الذي يعتلي مربع الدردشة، لا أفتحه أبداً إلا عندما أعود إلى المنزل. أنا علّمت والدتي استعمال «فايسبوك»، لذا فإنها لن تكون أذكي مني إلكترونياً أبداً». ويحتاج أصحاب الأعمال أيضاً إلى تطبيقات معينة على هواتف ك «بلاك بيري»، يسجلون عليها أرقام الموظفين ليتتبعوا خطوط سيرهم. ولم تعد الحاجة مُلحّة إلى بعض هذه التطبيقات. ويقول أحد رجال الأعمال إنه اكتشف كذب أحد موظفيه من العاملين في الدعاية والتسويق عندما وجده «أون لاين» فسأله عن تفاصيل ما يفعل، فوجد من الرد أنه في أحد أحياء وسط القاهرة، بينما كان خط تسويقه في ذلك الوقت خارج القاهرة. وادعى الموظف أنه وصل إلى منطقة التسويق، لكن «فايسبوك» فضحه. ربما لم يلاحظ كثيرون هذه التفاصيل الصغيرة في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها أفادت بعضاً ممن تمتعوا بقوة الملاحظة في اكتشاف كذب ذويهم وأصدقائهم. ولا بد من الإشارة إلى أن الحديث عن هذه الأمور ربما يدفع كثيرين إلى الاحتياط في استخدام «فايسبوك»، بدل التفكير في الكفّ عن الكذب!