يشهد الطلب على الانترنت في اليمن تزايداً ملحوظاً، إذ باتت الشبكة الكونية تشكل فضاء اجتماعياً يندمج أحياناً بالعادات والتقاليد مثل المقيل والتفرطة. وعندما يُسأل أحد الجيران إسكندر (18 سنة) عن حال والده خصوصاً أنه لم يعد يراه أو يلتقيه في مقيل القات كما كان في السابق، يرد إسكندر بالقول: «الوالد هذه الأيام مقيم في الفايسبوك». يتهكم الطالب في الصف الثاني ثانوي على والده لأنه أصبح، على حد قوله، يقضي ساعات طويلة أمام الحاسوب ما يحرمه وإخوانه من فرص مماثلة. فمنذ حصل على دورة تدريبية في مجال استخدام الكومبيوتر والانترنت على حساب الجهة التي يعمل فيها، «طرأ على سلوك أبي بعض التغيير»، يقول اسكندر، ويضيف: «صحيح أنه أصبح يقضي فترة ما بعد الظهر في تخزين القات وتصفح الانترنت في المنزل بدلاً من الذهاب إلى مقيل الأصدقاء، الا أنه لم يعد يزعج أفراد الأسرة بالصياح كما كان في السابق بل يبقى معظم الوقت صامتاً مشغولاً بكتابة تعليقات على صفحته في فايسبوك أو في غرف الدردشة». وإن ظنّ البعض أن انتشار استخدام الانترنت سيساهم في الحد من تعاطي القات، تشير الوقائع إلى تزايد استخدام الانترنت أثناء تخزين القات. وشهدت السنوات الأخيرة انتشاراً لمقاهي الانترنت التي توفر وضعية خاصة تتناسب مع التخزين وتصفح الانترنت في آن واحد. ولا يزال استخدام الانترنت ينتشر بين صغار السن والشباب. وهو يبدو منحصراً في المدن. ويقدر عدد مشتركي الانترنت في اليمن بنحو 500 الف من أصل عدد السكان الذي يناهز 23 مليون نسمة. ويرجع مختصون تضاؤل عدد المستخدمين إلى شيوع الأمية وانتشار الفقر، وارتفاع تعرفة الانترنت. ويحرص بعض موظفي الحكومة والقطاع الخاص ممن يحصلون على أجور جيدة على إدخال الانترنت إلى منازلهم، خصوصاً مع انتشار بيع أجهزة الكومبيوتر بالتقسيط ومع تزايد عدد الذين يستخدمون الانترنت داخل الأسرة الواحدة، أخذ البعض يقتني جهازاً محمولاً إلى جانب الجهاز المكتبي. ويقول عمر إنه بصدد تغيير اشتراكه في الانترنت من اشتراك خط عادي إلى «دي أس أل»، ما يسمح باستخدام شبكة لاسلكية ليتمكن ابنه وابنته من الدخول إلى الشبكة بواسطة الكومبيوتر المحمول. ويستقطب موقع «فايسبوك» الاجتماعي كثيرين من اليمنيين واليمنيات واحياناً تتحول صفحاته إلى جبهة ساخنة للنقاشات والاصطفافات التي قد تصل حد الخصومة وتبادل الشتائم. ولوحظ ارتفاع عدد الناشطين المدنيين والسياسيين الذين ينشئون صفحات على الموقع. إلا أن ذلك لا يصاحبه تغير في السلوك، بل ثمّة من يحمل أمراض الواقع إلى العالم الافتراضي ويزيد، وقلّة يتمكنون من تشكيل رأي عام وأنصار في الفضاء الافتراضي. وتقول مرام (22 سنة) إن بعض مَن تلتقيهم على مواقع الدردشة يكونون «أكثر وقاحة»، ممّا هم عليه في الواقع. وتلفت إلى وجه شبه مع بعض اليمنيات اللواتي يخلعن الحجاب حال صعودهن الطائرة المتجهة الى خارج البلاد. أما سعاد فتقول إنها لم تعد تظهر في حالة متصل لأن ثمة من يزعجها بسبب صورتها التي تظهرها مكشوفة الرأس. وهناك من ينشئون صفحات وحسابات بأسماء مستعارة إما لغرض المعاكسة أو لنشر تعليقات جريئة اعتقاداً منهم بأن الأمن القومي (المخابرات) لا يراقب مواقع الدردشة. وبات للنساء حضور لافت على موقع «فايسبوك» تحديداً، وثمة أسر يكون فيها استخدام الانترنت مقتصراً على الإناث. وهناك زوجات يتكفلن بتعليم الزوج كيفية الاستخدام. وصار حضور بعضهن، والذي يمتد أحياناً إلى وقت متأخر من الليل، محل تندر، ويذهب البعض إلى حد إطلاق نجم ونجمة الشهر على من يسجل أو تسجل حضوراً على مواقع الدردشة والتعارف الاجتماعي، ويقول البعض ان التفرطة (مقيل النساء) أصبح على الشبكة مختلطاً. ويبدو أن انكماش الفضاء الاجتماعي في بلد محافظ مثل اليمن يدفع بالكثيرين إلى الشبكة الافتراضية، ليجد فيها فضاء بديلاً. وتتوزع المشاركات بين تسجيل الملاحظات وتبادل التحيات والتهاني والتعليقات ونشر شرائط مصورة وروابط موضوعات والنميمة. وقليلة هي المناقشات الجادة، أو للتواصل مع الأهل مثال يحي (42 سنة) الذي دأب على التواصل مع زوجته وابنه المقيمين في روسيا من خلال موقع سكايب وياهو. ويدفع تقنين استخدام الانترنت في المنزل بعض الأبناء إلى الذهاب الى مقاهي الانترنت أو اقتناء هواتف خليوية تتوافر عليها ميزة التقاط الشبكات اللاسلكية.