ستختار إمارة أبوظبي على الأرجح شركات آسيوية للدخول في امتياز نفطي يفترض أن تجدده قريباً بعد سريانه طوال عقود، ما يمثل انعطافة استراتيجية للإمارة ضمن سوق الطاقة العالمي. وهيمنت الشركات النفطية الغربية الرئيسية على القطاع في الشرق الأوسط طوال قرن كامل تقريباً، إلا أنها تواجه منافسة محتدمة الآن من آسيا المتعطشة للطاقة. ويبدو أن آسيا تتجه للفوز بأول امتياز رئيسي في الشرق الأوسط مع انتهاء العقد الخاص بنفط أبوظبي البري الذي تم التوقيع عليه في أيام الحرب العالمية الثانية. وقال الخبير النفطي والأستاذ في جامعة "جورج تاون" الأميركية جان فرنسوا سيزنيك لوكالة "فرانس برس" إن "الشرق الأقصى هو السوق الأهم للنفط الخليجي وللمواد التي تعتمد على النفط مثل الكيماويات". ويرى الخبراء أنه من المحتم أن الدول المنتجة في الشرق الأوسط مثل الإمارات ستستقدم شركات آسيوية لبناء شراكة معها في مجال الإنتاج، بعد ان ارتفعت في شكل كبير الصادرات النفطية الى آسيا. وقال سيزنيك إن ذلك "سيساعد الإمارات على ضمان حصة من السوق في الشرق الأقصى في هذا الزمن الذي يشهد وفرة في الإمدادات وطلباً ضعيفاً نسبياً". وأشارت مصادر من القطاع لوكالة "فرانس برس" الى أن "شركة النفط الصينية الوطنية "سي إن بي سي" هي المنافس الأبرز على امتياز أبوظبي، اضافة الى شركات من جنوب كوريا واليابان". وانتهت حقوق الامتياز لنفط ابوظبي البري (اون شور) التي استمرت 75 عاماً في كانون الثاني (يناير)، وتنظر شركة نفط ابوظبي الوطنية "ادنوك" حالياً في تسعة عروض للدخول في اتفاق طويل الأمد للمشاركة في الإنتاج. وسيتخذ المجلس الأعلى للبترول في ابوظبي قراراً في هذا الشأن، وهو اعلى هيئة للنفط في الإمارة التي تملك السواد الأعظم من نفط الإمارات. وقال مصدر من القطاع إن "القرار قد يصدر نهاية 2014 أو مطلع 2015". وكان الامتياز المنتهي الذي منح مطلع 1939، يضم شركات "اكسون موبيل" الأميركية، و"رويال داتش شل" الإنكليزية الهولندية، و"بريتيش بتروليوم" البريطانية، و"توتال" الفرنسية. وكانت تحظى كل من هذه الشركات بنسبة 9.5 في المئة من الإنتاج، اضافة الى شركة "بارتكس" التي كانت تملك حصة 2 في المئة فقط. وكانت شركة ابوظبي للعمليات النفطية البرية (ادكو) التي تدير الإنتاج حالياً، تحتفظ بنسبة ال 60 في المئة المتبقية. وذكرت وسائل اعلام محلية أن "الامتياز الجديد ستكون مدته 40 عاماً"، ورغم الإنتاج الذي استمر عقوداً، تريد ابوظبي ان ترفع الإنتاج في الحقول البرية من 1.5 مليون برميل يومياً حالياً الى 1.8 مليون برميل يومياً في حدود العام 2017. وإضافة الى شركة النفط الصينية الوطنية، تقدمت بعرض كل من شركة "انبكس" اليابانية و"شركة النفط الوطنية الكورية الجنوبية". وتقدمت بعروض ايضاً شركات كانت في الامتياز القديم وهي "اكسون موبيل" و"شل" و"بريتيش بتروليوم" و"توتال". ودخلت المنافسة ايضاً شركة النفط النروجية العامة "ستاتويل" وشركة نفط روسيا "روسنفت". وقال نائب رئيس مؤسسة "اي اتش اس" لدراسات الطاقة فكتور شام لوكالة "فرانس برس" إن "هناك بطبيعة الحال مكاناً مناسباً للشركات النفطية الآسيوية المهتمة بهذه الامتيازات". والشرق الأوسط هو المصدر الرئيسي للنفط الى آسيا. وارتفعت اهمية آسيا في السوق النفطي في شكل كبير في السنوات الأخيرة في ظل تغيرات جذرية في خريطة الإنتاج والتصدير والأسعار، وفق فكتور شام. وأنزلت الصين السنة الماضية الولاياتالمتحدة عن صدارة الدول المستوردة للنفط، وذلك مع رفع الولاياتالمتحدة إنتاجها الداخلي من النفط والغاز الطبيعي، سواء من المصادر التقليدية او الصخرية. وتستورد الصين ستة ملايين برميل من الخام يومياً معظمها من الخليج، فيما تستورد الولاياتالمتحدة خمسة ملايين برميل يومياً. وكانت شركات صينية وكورية جنوبية حصلت في الماضي على امتيازات صغيرة في مناطق غير مطورة في ابوظبي، كما وقّعت الصين عقداً استراتيجياً لاستيراد 200 ألف برميل يومياً من الإمارات حتى العام 2020. وقال الخبير الاقتصادي دانيال إنغ في سنغافورة إنه "مع ارتفاع الإمدادات من الولاياتالمتحدة، نتوقع أن تقوم دول الشرق الأوسط بالتركيز أكثر على المنطقة الآسيوية". وأضاف "رأينا أن السعودية والعراق وإيران خفّضت الأسعار، ونعتقد ان ذلك يشكل خطوة نحو الحفاظ على حصتها من السوق في السوق الآسيوية". وفيما يتراجع الطلب من الولاياتالمتحدة وأوروبا او يبقى مستقراً في احسن الأحوال، يزداد عطش آسيا للنفط في شكل مضطرد. وتوقعت مؤسسة "اي اتش اس" أن ترتفع حصة منطقة آسيا والمحيط الهادئ من اجمالي الاستهلاك العالمي للنفط من 26.4 في المئة خلال 2014 الى 34.4 في المئة في 2024. وتعدّ الإمارات رابع منتج في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك)، وواحدة من آخر الدول التي ما زالت تمنح امتيازات لشركات نفطية عالمية. وذكرت مصادر من القطاع أن "اكسون موبيل الأميركية تنافس من دون حماسة كبيرة على الدخول في امتياز ابوظبي الجديد، اذ أمّنت لنفسها منفردة حقوق حقل زاكوم العلوي البحري الذي يبلغ انتاجه 550 الف برميل في اليوم". ونظراً الى تاريخها في الامتياز، من المتوقع ان تفوز شركات غربية ايضاً بحصة من الامتياز الجديد في ابوظبي. وذكرت مصادر من القطاع أن "شركة توتال الفرنسية التي تتواجد في المنطقة منذ عقود، تبدو واثقة من الحفاظ على حصة مساوية على الأقل لحصتها في الامتياز المنتهي". وقال شام إن "هناك مكاناً للجميع، الا ان الشركات الآسيوية تبرز كشريكات اساسية".