دشنت جماعة «الإخوان المسلمين» الأردنية حملة علاقات عامة تستهدف كبار أركان الدولة السابقين والحاليين، في محاولة لجسر الهوة مع السلطة والتي اتسعت كثيراً منذ انتفاضات الربيع العربي، وأملاً منها كما يبدو، في التوافق على حل يبدد الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد. في هذا السياق، علمت «الحياة» أن الرجل الثاني في جماعة «الإخوان» زكي بني ارشيد زار قبل أيام أحد أقطاب الدولة البارزين، وهو رئيس الوزراء السابق زيد الرفاعي والد رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي الذي يرقد حالياً على سرير الشفاء في أحد المستشفيات الخاصة في العاصمة عمان. وعُلم أن الأخير رحّب بزيارة القيادي «الإخواني» البارز، فيما لم تخل الزيارة الاجتماعية من دلالات ورسائل سياسية مهمة، خصوصاً أن الرفاعي هو أحد أبرز القريبين من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ومن والده الراحل الحسين بن طلال، وهو أيضاً أحد أقطاب القصر المعروفين بإسدائهم النصح والمشورة إلى مطبخ القرار. كما عُلم أن جماعة «الإخوان» تبحث في تنظيم زيارات مماثلة تشمل كبار مسؤولي الدولة السياسيين ورؤساء وزارات سابقين، في محاولة يبدو الهدف منها أيضاً إعلان مرحلة جديدة بين الإسلاميين، وهم المكون السياسي الأبرز في البلاد، وبين مؤسسة الحكم الأردنية، تحت لافتة «حسن النيات». في غضون ذلك، قالت مصادر مطلعة ل «الحياة» إن دعوة الحوار التي وجهتها إحدى الجهات السيادية في البلاد إلى قيادة «الإخوان» (لم تعلن رسمياً) لا تزال قائمة، وإن الجماعة لم تبت في الطلب سلباً أو إيجاباً حتى الآن. في الوقت نفسه، قال قيادي بارز لدى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، إن الحركة «تفضل حواراً سياسياً عبر بوابة القصر، وأن يحظى هذا الحوار برعاية ملكية ضامنة لكل مخرجاته». ونقلت «الحياة» معلومات مهمة في وقت سابق أشارت إلى أن جهة رسمية سيادية طلبت قبل أيام لقاء ممثلين عن «الإخوان»، وهو الطلب الأول من نوعه منذ عام. وكان المراقب السابق لجماعة «الإخوان» سالم الفلاحات أطلق أول من أمس تصريحاً نادراً خلال جلسة حوارية ضمت كيانات وقوى معارضة، قال فيه إن الحركة الإسلامية «لم تجد في النظام الرسمي من يتحدث بجدية عن التطلعات الشعبية والإصلاح إلا الملك فقط». وأضاف أن هناك «فجوة كبيرة بين ما يتحدث به الملك وما يطبق على أرض الواقع». وفهم مراقبون هذه التصريحات على أنها رسائل إيجابية تستهدف القصر مباشرة، وتسعى بشكل أو بآخر إلى تدشين حوار سريع مع كبار مرجعيات الدولة السياسية. وكشفت التصريحات إلى حد كبير حجم الرسائل الإيجابية التي أرسلتها الجماعة باتجاه الدولة، قابلتها رسائل رسمية مماثلة خلال الأيام القليلة الماضية، بعد مناخ متوتر وقلق تصاعد إلى حد غير مسبوق منذ اندلاع موجة الربيع العربي. وتزامنت هذه الرسائل، مع توجه الحركة الإسلامية في الأردن إلى تجميد حراكها الميداني، من دون أن تعلن ذلك رسمياً. إذ غابت عن شوارع عمان والعديد من المحافظات أشكال التظاهر والاحتجاج التي كانت تطالب بالإصلاح وبتعديلات جذرية على الدستور من شأنها تقليص صلاحيات الملك. كما أصدرت الجماعة قبل أيام بياناً مفاجئاً أكد استعدادها الكامل لوضع خلافاتها مع النظام جانباً، والوقوف «في خندق الوطن لمواجهة أي تهديدات خارجية»، في سياق تعليقها على الحدث السوري. وتعليقاً على هذا البيان الذي حمل طابعاً تصالحياً مع الدولة، قال قريبون من العاهل الأردني إن الملك عبد الله أبدى ارتياحه حيال التصريحات التي أطلقتها قيادة الجماعة أخيراً، ووصفها بأنها على قدر المسؤولية، في ظل التحديات الخارجية التي يواجهها الأردن. وقال بني ارشيد في تصريح مقتضب ل «الحياة» أمس إن الحركة «ترحب بأي حوار جاد، وتأمل في أن يتم هذا الحوار برعاية ملكية، وأن يجري عبر قناة سياسية، وتكون العناوين المعنية بالنقاش أيضاً سياسية». وكان الملك عبدالله قال قبل أيام إنه يرفض إقصاء «الإخوان» أو أي طرف آخر عن الحياة السياسية الأردنية، لكنه أكد أنه لن يسمح لأحد ب «احتكار المشهد السياسي» في المملكة.