انطلق العام الدراسي في لبنان، حاملاً الكثير من الإرباكات والمسائل العالقة، خصوصاً في المدارس الرسمية التي تواجه تحدّياً كبيراً يُضاف الى مشاكلها القديمة والتي تتجدّد سنة بعد أخرى، كضعف التجهيزات والإهمال على صعيد المباني والنقص في الكادر التعليمي. ويكمن التحدي الجديد في اضطرار المدارس الحكومية إلى استيعاب آلاف الطلاب السوريين النازحين الذين تدفّقوا إليها طلباً للعلم. ووفق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، هناك ثلاثمئة ألف نازح سوري في سنّ الدراسة، أي دون ال18 من العمر. وهذا الرقم هو للنازحين المسجّلين لدى المفوضية، فيما تشير تقديرات غير رسمية إلى وجود أكثر من 450 ألف طالب نازح. لكن، أياً كان الرقم الأدقّ، فإنّ وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أكد أن لا مجال لاستيعاب 300 ألف تلميذ إضافي في المدارس الرسمية اللبنانية، والحدّ الأقصى الذي يمكن الوصول إليه هو مئة ألف طالب من النازحين السوريين فقط، وفق الإمكانات المتوافرة حالياً. أمّا كلّ الحلول التي اقترحت وجرى التداول فيها، فيبدو أنّها لن تطبّق في المستقبل القريب لاستقبال عدد أكبر من الطلاب النازحين. فهناك الاقتراح الأول المقدَّم من مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين، ويقضي باعتماد دوام مسائي للنازحين فقط، لكنّه خيار غير مستحبّ بالنسبة إلى المسؤولين التربويين، وقد تركه دياب كحلّ للحظة الأخيرة في حال تبيّن في نهاية الشهر الجاري أنّ مقدّمي طلبات التسجيل للتعلّم قد تجاوزوا كلّ الإمكانات. والاقتراح الثاني يقوم على إعادة فتح بعض المدارس التي أغلقت سابقاً بسبب قلّة أعداد الطلاب المسجلّين فيها، إلا أنّ هذا الخيار بعيد التحقيق أيضاً لأنّه يرتّب على الدولة اللبنانية اتخاذ الكثير من الإجراءات التي لا يمكن إنجازها في هذه الفترة القصيرة. وبالتالي، تعوّل إدارات المدارس الرسمية اليوم على ألا يتقدّم كلّ الطلاب النازحين بطلبات للتسجيل فيها، باعتبار أنّ زيادة نسب التسرّب المدرسي بين النازحين هو بديهي بسبب الحاجة المالية واضطرار الأطفال للعمل. مستقبل دراسي معطّل تسقط اليوم مقولة أنّ لكلّ طالب نازح في لبنان مقعداً دراسياً. فالمشكلة ليست في العدد وحده، والمأساة الإنسانية تتجاوز المقاعد الدراسية والقدرات الاستيعابية المحدودة للمدارس الرسمية. ولدى الأولاد النازحين من سورية هموم أخرى تشغلهم وقد أنسَت الكثيرين منهم موعد التسجيل. ففي شارع الحمرا الذي أصبح يختزل مشهد مأساة السوريين في لبنان، مجموعة من الفتيان يعملون في ورشة للبناء وهم لم يبلغوا الخامسة عشرة بعد. عند سؤالهم عن المدرسة التي التحقوا بها، يتهامسون، متعجّبين من السؤال، باعتبار أنّ العلم هو آخر ما يبحثون عنه حالياً في وقت يريدون خلاله تأمين لقمة العيش لأنفسهم وإخوتهم. أمّا والد أحد الفتيان، فيظهر حزنه لعدم قدرته على إرسال ابنه إلى المدرسة، على رغم أنّه علم بمجانية التعليم للنازحين. فالأوضاع الاقتصادية المتردّية للأسرة تجبره على إشراك ابنه في العمل من الصباح وحتّى ساعات متأخرة من الليل. وتعطي الفتاة النازحة نور سبباً آخر لعدم التحاقها بالمدرسة هذا العام، وهو أنّها لم تستطع أبداً الاندماج في الصفوف العام الماضي، لأنّ الكثير من المواد الرئيسة كانت تُعطى باللغة الفرنسية، فيما كانت تلقّت تعليمها الابتدائي في سورية باللغة العربية فقط. ولم تعلم نور أو والدتها أبداً أنّ هناك مخيّمات تدريسية تنظّمها «يونيسيف» دورياً لمساعدة الأولاد السوريين الذين يعانون من مشاكل تعلّمية، خصوصاً على صعيد اللغة الأجنبية، لكي يندمجوا أكثر في النظام التعليمي اللبناني. وتتمنّى نور لو أنّها تستكمل تعليمها وفق المنهج السوري في لبنان. لكنّ ذلك ليس وارداً أبداً لدى وزارة التربية اللبنانية، لكونه يحتاج الى قوانين وأنظمة ترعاه، وبالتالي، لا حلّ أمامها إلا إيجاد مخرج لمشكلة اللغة الأجنبية والعودة الى المدارس الرسمية في حال استمرت الأزمة السورية خلال السنة الدراسية المقبلة. المشاكل التي يعانيها النازحون السوريون لا تنتهي، وهمّ الدراسة يُزاد إليها هذا العام، خصوصاً في لبنان حيث تزدحم المدارس الرسمية بالطلاب اللبنانيين الذين يلجأون إليها بأعداد كبيرة، بعدما أصبح التعليم في المدارس الخاصة حكراً على ذوي الدخل المرتفع.