مقلّة الفنانة السورية الشابة لينا عويس في حفلاتها الموسيقية، لكن الثورة السورية أعطتها فسحة أكبر للظهور، بخاصة أنها تنتمي إلى جيل مؤمن بروح الموسيقى الموروثة من الذاكرة الشعبية والموزعة حديثاً لتتماشى مع روح الوضع الراهن وعنفوانه. جيل لم يعد يؤمن بالحقبات الموسيقية السابقة في تأثيرها في الثورة، فراح يبحث عن تضاريس خريطة موسيقية يرفدها الشباب وتجارب جديدة. غنّت عويس ليلة السبت - الأحد، في خيمة الثورة السورية، ضمن نشاطات «حفلة الإنسانية» الشهيرة الذي تقام سنوياً كإرث إنساني في فرنسا، وتضم مشاركين من الأحزاب الشيوعية في العالم، لتكون أكبر لوحة فنية وإنسانية واجتماعية وسياسية. وكانت الموسيقى إحدى وسائل هذه الخيمة الرافضة الظلم والقتل عبر صوت عويس الذي عبّر بحرقة وعنفوان في الوقت ذاته، عن أحقية الثورة السورية. تخرّجت عويس صاحبة الصوت العذب، في المعهد العالي للفنون الموسيقية. وأظهرت إطلالتها في بلادها بذور موهبة تقوم على الخبرة الأكاديمية وإحساسها المرهف بالكلمة وموهبتها وقدرتها على التحكم بصوت جميل يشدو بين مستوى قوي في حين، وآخر ناعم حينما تتطلبه الأغنية في أحيان أخرى. وتنوّعت حفلة عويس التي استمرت ساعتين بين الموشحات والطرب، برفقة عازف العود وسيم إسماعيل، وضابط الإيقاع آراس محمد. وكانت الفتاة العشرينية، حريصة على التزام قواعد دقيقة خلال التنقل بين الألوان الموسيقية المتنوعة، إذ إن تجربتها القصيرة لم تؤهلها بعد لخرق القواعد والارتجال. المخزون الموسيقي المستمد من الذاكرة التراثية السورية، كان دافعاً للتناغم والانسجام بين صوت عويس وعود إسماعيل ودفّ محمد. هذه الثلاثية من التناغم والانسجام، ألقت بظلال من المتعة والفرح والسعادة على الحضور من السوريين، وغير السوريين الذين احتشدوا بالقرب من الخيمة السورية بين منجذب للموسيقى وآخر يكتشف الصوت الجديد، ومتطفل يرغب بالمشاركة في حلقة الدبكة. ولم تمنع الأمطار الغزيرة والبرد هؤلاء المستمعين الذين وجدوا في صوت عويس وطناً يفتقدونه، بل زادهم الحنين إلى الوطن والصوت العذب إصراراً على البقاء حتى الأغنية الأخيرة. وأخذت أغنية «رجع الخيّ» للفنان سميح شقير، الجمهور في رحلة لاستحضار ذاكرة ينشب الموت والألم والفراق والحزن مخالبه بين ثناياها، لتعود بموشح «فوق النخل» وتبدي ألواناً من ذاكرة سورية مفعمة بالحب والجمال والسعادة. وحال هذا التنقل الموسيقي الذكي والمدروس، إلى القول إن الذاكرة فسحة تطل على كل الأشياء السالفة الذكر والموسيقى جزء لا يتجزأ منها.