يتواصل، للعام الثالث على التوالي، مهرجان «ليالي الطرب في قدس العرب» الذي ينظمه «معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى»، منطلقاً من القدس ليمرّ بأربع مدن فلسطينية هي الخليل وبيت لحم ورام الله ونابلس، في حين أُلغي عرضان في طولكرم لأسباب فنية. وتقول المنسقة الإعلامية للمهرجان ربى عنبتاوي ل «الحياة»، إن «المهرجان يحافظ، منذ تأسيسه، على إحياء الطرب العربي الأصيل من خلال استضافة فنانين فلسطينيين من الخارج، أو دعم الفرق الفلسطينية المحترفة، من الضفة والداخل الفلسطيني والجولان، والتي لا تجد فضاءات عربية للانتشار، إضافة إلى بصمة تركية شرقية لعازفين أتراك محترفين». وتضيف أن المهرجان «تميّز هذا العام بمحاولة كسر الجمود والحصار اللذين يلفّان الأراضي الفلسطينية، من خلال استضافة الفنانة المغربية المقيمة في فرنسا، عائشة رضوان، سفيرة الغناء الصوفي والأدوار الموسيقية، التي أبهرت الجمهور في القدس ونابلس بأداء قصائد رابعة العدوية وابن الفارض إلى جانب عدد من القصائد المغربية». وأكدت عنبتاوي أن «القدس مدينة محتلة، والظروف التي تمرّ بها تختلف عن السائد في مدن فلسطينية أخرى،لجهة فسحة متاحة ومعقولة للنشاطات الثقافية والاجتماعية والسياسية. في القدس الوضع مختلف، ومعالم التهويد والأسرلة آخذة في الازدياد، يضيع المواطن المقدسي، ويشعر أنه وحده في دائرة الصمود والتحدي، فيما ينبغي على المؤسسات الثقافية والمجتمعية أن تبذل جهداً لإحياء المدينة وتنشيطها وتعزيز مفهوم الهوية العربية الوطنية لدى المقدسيين». واعتبرت أن ل»معهد إدوارد سعيد» دور في إحياء هذا الجانب الثقافي قدر المستطاع ووفق الإمكانات المتاحة، من أجل إشعار المواطن المقدسي بملامح هويته الثقافية والعربية». وعلى مدار أربعة أسابيع، أدّت فرق فلسطينية عروضاً متميزة، فقدّمت فرقة «مقامات القدس» عرضاً طربياً مميزاً في المسرح الوطني الفلسطيني في القدسالمحتلة، كما تألقت فرقة «تراث رام الله» في إحياء ذاكرة الطرب والموسيقى العربية المعاصرة لفنانين كبار، فيما أحيت الفرقة الناشئة «نابلس للموسيقى العربية» عرضاً موسيقياً في المدينة. وغصّت قاعة المسرح الوطني في القدس بالحضور الذين لم تتسع لهم مقاعد المسرح، فجلسوا على سلالم المدرج، ليتفاعلوا بحماسة مع عازفي «مقامات القدس» وصوت الفنانة المقدسية الصاعدة سميرة الخروبي، التي غنّت أم كلثوم وفايزة أحمد، وأشجت الجمهور باستعادة ألحان رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي وغيرهم. وبقيادة أستاذ العود في «معهد إدوارد سعيد»، سامر طوطح، قدمت «تراث في رام الله» نخبة من الأغاني الكلاسيكية العربية لزكريا أحمد ووديع الصافي ومحمد عبد الوهاب، فانصهر العزف مع غناء الشابة كريستين زايد التي خاطبت قلوب المستمعين. فيما أحيت «نابلس للموسيقى العربية»، التي تأسست بالتزامن مع «المعهد الوطني للموسيقى»، مقطوعات من الموسيقى الشرقية فتناغم أعضاؤها في عزف آسر. وعاش جمهور المهرجان، المستمر حتى منتصف الشهر الجاري، أمسية مكللة بالطرب الصوفي بصوت عائشة رضوان، تصاحبها فرقتها الموسيقية «تخت الأدوار» بقيادة الموسيقار اللبناني المقيم في فرنسا حبيب يمين. وبدأت رضوان أمسيتها، التي أقيمت على بعد مئات الأمتار فقط من أسوار البلدة القديمة في القدس، بغناء قصيدة محيي الدين بن عربي ومطلعها: «سلام على سلمى ومن حل بالحمى». وقالت رضوان: «سعيدة جداً أن أكون هنا في القدس، هذا حلم تحقق، المحبة بيننا ترجع إلى عهد قديم، وكما قال عمر بن الفارض: شربنا على ذكر الحبيب مدامة وسكرنا بها قبل أن يخلق الكرم». ورفضت «سفيرة الغناء الصوفي» الحديث الى الصحافيين قبل صعودها إلى المسرح، قائلة «لا يمكنني الكلام الآن، فقلبي يكاد يخرج من صدري لأن هذه القدس»، لكنها انطلقت بصوتها شاديةً «يا حبيب القلب» و «أحبك حبّين» و «كأسي وخمري» و «أنا من وجدي» و «نعيش بذكراكم». وقالت، بعدما أمتعت الجمهور في نابلس والقدس: «أغني منذ اكثر من 25 عاماً، لكنني، عندما أكون هنا، في أرض الأنبياء، لا يسعني أن أغني بشكل عادي، على المرء أن يندمج في هذا الجو الروحاني، خصوصاً بعدما صلّيت في المسجد الأقصى وسرت في شوارع القدس القديمة، في كل دقيقة كنت أعيش هذه الروحانية». أما سهيل خوري، مدير «معهد إدوار سعيد» والمهرجان، فقال إن «ما يميز المهرجان هو المحاولة لإعادة الدور المركزي للقدس في الثقافة والموسيقى والحياة»، مضيفاً: «إننا نركّز على توليف حالة موسيقية وعلى تشجيع فرق محلية جديدة تنتج أعمالاً خاصة وذات نوعية». وانطلق المهرجان من «المسرح الوطني الفلسطيني» في القدس، بمشاركة ثلاثي تقاسيم تركي، وفرقتين تركيتين، وبعض أهم الموسيقيين الأتراك، من أمثال هايتش دوغان واسماعيل تونشليك، والفنان المقدسي مصطفى الكرد. كما تشارك الفرقة الفلسطينية «ورود جبران» من الجليل، وفرقة «عطر الغجر» من الجولان السوري المحتل، إضافة إلى الفنانة دلال أبو آمنه من حيفا والتي أبحرت في رحلة غنائية لأم كلثوم. ويتضمن البرنامج أيضاً فرقة القدس للموسيقى العربية التابعة للمعهد، وفرقة بيت لحم للموسيقى العربية، وفرقة نابلس العربية، وفرقة» تراث»، وفرقة «مقامات القدس»، وفرقة «يلالان» الفلسطينية المتخصصة في الموشحات والموسيقار سيد درويش.