تولع العرب منذ القدم بالفروسية والتباهي بها في ما بينهم، إذ كانوا يدربون أبناءهم منذ الصغر على فن ركوب الخيل والاعتناء بها، ما يعني أن للفروسية دوراً رئيساً في حياتهم، فلا غرابة في اقتران الخيل بالأصالة العربية، وعلى رغم تصنيف رياضة ركوب الخيل ضمن الممارسات الرجالية، إلا أن المرأة قُرنت بالخيل في مأثور الكلام عند العرب، ويبدو أن الفروسية لم تعد حكراً على الجنس الخشن وحده، بل أصبحت في وقتنا الحاضر رياضة محببة وممتعة للفتيات، ومغامرة شيقة لا يخشين منها، وخلال الخمس سنوات الأخيرة ومع انتشار مدارس ونوادي تعليم الفروسية للفتيات، تزايد إقبال النساء على هذه الرياضة العربية التي تعلم الصبر والشجاعة، ولم تعد تقتصر على الطبقة الأرستقراطية فحسب، بل امتدت إلى مختلف طبقات المجتمع حباً في ممارسة هذه الهواية والعناية بالخيل، ومن المتعارف عليه وصف الخيل بالخيلاء اختيالاً بفارسها فماذا لو كان فارسها امرأة؟ وأوضحت أخصائية العلاج الطبيعي مديرة أحد نوادي ركوب الخيل الدكتورة ناريمان بيتوني في حديثها إلى «الحياة» «أن نسبة إقبال الفتيات على تعلم ركوب الخيل زادت خلال الثلاث سنوات الأخيرة بنسبة 70 في المئة، الأمر الذي دفع إدارة النادي إلى استقطاب المزيد من الخيول إذ بلغ عددها نحو13 حصاناً، فيما كانت تبلغ في عام 2012م أربعة أحصنة فقط». وأضافت: «إن النادي يستقبل النساء الراغبات في التدريب حتى عمر 80 عاماً، فيما يبدأ تدريب الأطفال في سن الخامسة». مشددة على أهمية رياضة ركوب الخيل للجنسين على حد سواء لما تنمي في الإنسان من روح الحماس وحب التعاون والثقة في النفس والصبر. مؤكدة على عدم ضررها للفتاة، وذكرت أن لديهم برامج تدريبية حول كيفية الاعتناء بالخيل ونظافته، إضافة إلى تعليم ركوب الخيل والقفز على الحواجز، وكشفت عن أن رياضة ركوب الخيل تساعد على عملية علاج بعض حالات ذوي الاحتياجات الخاصة مثل التوحديين ومرضى الشلل الرباعي ومتلازمة داون، وكذلك أصحاب الإعاقات والحوادث والتأخر في النمو الحركي والتشتت الفكري. وقالت: «إن رياضة ركوب الخيل تساعد على التخفيف من معاناة هؤلاء» مؤكدة استفادة نحو 10 حالات من برنامج العلاج، إذ تحسنت حالتهم الصحية بنسبة 90 في المئة. وأشارت إلى تخصيص النادي فرساً لذوي الاحتياجات الخاصة، نظراً لتميزها بصفات معينة دُربت عليها تتناغم مع تلك الفئة، وذكرت أنه يتم تدريب هؤلاء الفئات من خلال حصص على مدى أيام الأسبوع. فيما قالت مدربة ركوب الخيل في أحد نوادي الفروسية، فضلت عدم ذكر اسمها، إن هناك عوامل تساعد على عملية التدريب لابد من توافرها تتمثل في نوع الحصان وإقبال الشخص على التدريب وإصراره على التعلم، وبينت أن أكثر شيء يؤرقها عندما تضع نصب عينيها تدريب إحدى الفتيات طامحة في الوقت ذاته أن تستمر في البرنامج حتى نهايته، وإذا بالفتاة تستسلم وتفقد الحماس والإصرار على التعلم وتتوقف عن التدريب، الأمر الذي ينتج عنه إضاعة الجهد والوقت، فضلاً عن مردود الاستسلام والتقهقر السلبي على النفس من ناحية استصعاب عملية تحقيق فرص النجاح وإشباع رغبة إثبات الذات. وأشارت مدربة الخيل إلى أن نسبة إقبال الفتاة السعودية على التعلم زاد في الفترة الأخيرة بنسبة 40 في المئة، مبينة أن الإقبال يكثر في مواسم اعتدال الطقس، فيما يقل الإقبال في فترة إجازات الصيف لشدة الحرارة وسفر العائلات. وأثناء جولة «الحياة» في مدارس ونوادي تعليم الفروسية للفتيات تحدثت الفارسة لطيفة الهنداس خريجة إدارة أعمال وممارسة لرياضة ركوب الخيل منذ ثلاثة أعوام «تكونت بيني وبين الحصان الذي أمتطيه صداقة ومعرفة شخصية». ولفتت إلى أنه من خلال ذلك استطعت التعرف على شخصيات الخيول والتودد إليها لعشقي لها. وأضافت: «أهلي يشجعونني على ممارسة هذه الرياضة ويحرصون على عدم تغيبي عن حصص التدريب، فأنا الوحيدة بينهم الشغوفة بهذه الرياضة». وبينت الهنداس أن ممارسة ركوب الخيل ليست محصورة على الرجال فقط، بل لكلا الجنسين لأنها تعلم الصبر والشجاعة والتحدي في جميع مراحل التدريب، مشيرة إلى أن هذه الصفات تحتاج إليها المرأة كما يحتاج إليها الرجل. وحول بدايتها في التدريب قالت: «وجدت صعوبة في البداية ويعتبر أمراً طبيعياً، لكن مع الإصرار والمواصلة يستطيع الإنسان تحقيق الطموح والنجاح، كما أن لمهارة المدربة دوراً يسهم في التغلب على الصعوبات كافة، إذ تمكنت من القفز على الحواجز بكل يسر وسهولة». وتحلم الهنداس أن تمثل المرأة السعودية في بطولات الخيل للفتيات، متمنية فتح مجالات أوسع ومنح التسهيلات للنساء في مجال رياضة ركوب الخيل في مناطق المملكة كافة. أما المتدربة هيفاء بنت خالد رغم أنها لم تكمل مرحلة الثانوية بعد، إلا أنها شجاعة وتحب ركوب الخيل وأمضت خمسة أشهر في ممارسة هوايتها المحببة لديها. وقالت: «أمارس مختلف الرياضات، كرة قدم وسباحة وأرقص كذلك، لكن أثناء ممارستي لركوب الخيل أشعر باختلاف كبير عن غيرها من الرياضات، فهي رياضة شيقة وممتعة ترافقني معها أحاسيس جميلة تبعث في نفسي البهجة والسعادة والانطلاق وكأني أسابق الريح والهواء». بينما تطمح صديقتها الفارسة آية بنت نايف إلى امتلاك إسطبل في المستقبل، لحبها للخيول، خصوصاً أن معظم أفراد عائلتها ممارسون لركوب الخيل كما ذكرت، وقالت: «أكملت خمسة أعوام في ممارسة هوايتي، إذ أصبحت محترفة وأحلم في يوم ما أن أحقق بطولة دولية في ركوب الخيل أُشرف فيها بلدي». فيما وجهت المتدربة الصغيرة سارة نصيحة لكل فتاة ترغب تعلم الفروسية «إن كنتِ تخافين الحيوانات فلن تستطيعي ركوب الخيل، إذ لابد لك من التآلف مع الحيوانات الأليفة أولاً، حتى تتغلبي على الرهبة والخوف، ولكي تتمكني من ممارسة رياضة الخيل بكل أريحية». من جهته أوضح أستاذ الحديث في كلية أصول الدين في جامعة الإمام الدكتور عبدالله التويجري أن أصل ممارسة ركوب الخيل للفتيات الإباحة ما لم يثبت وجود ضرر على الممارس وهذا يرجع فيه للمختصين من أطباء لتحديد وجود الضرر من عدمه. وأردف: «إلا أنه بالنظر إلى التاريخ نجد أن هذه الرياضة اشتهر وعرف بها غالباً الرجال». وحول المقولة التي تنسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه «علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل» لم يبين التويجري ما المقصود بأولادكم هل هي تشمل الجنسين معاً جنس الذكر والأنثى، أم أنها خاصة بالذكر فقط. من جانبها نفت استشارية النساء والولادة الدكتورة منال الهوشان ما ينسب إلى رياضة ركوب الخيل أو الدراجة من وقوع الضرر على الفتاة الممارسة لتلك الهواية. وقالت: «لا توجد خطورة على الفتاة من ركوب الخيل أو الدراجة ولا علاقة لها بالعذرية».