بعيدا عن ضغوط العمل وصخب المدينة وضجيجها وهربا من متطلبات الحياة المتسارعة، استعاد العديد من شبان الجبيل إرث الأجداد، ليمتطوا صهوة الجياد، معلنين عزمهم على تعلم الفروسية، من أجل الفروسية، وليست المسابقات العالمية أو المحلية. في إحدى المناطق البرية القريبة من العمران في مدينة الجبيل الصناعية، بدأ يتوافد العديد من الشبان، يوميا لممارسة رياضة ركوب الخيل، فيما كشف البعض أن الرغبة الجماعية باتت تتزايد لشراء الخيول، الأمر الذي ضاعف أسعار الخيل في اصطبلات ميدان الفروسية، وتراوحت بين 6000 و10000 ريال، رغم أنها ليست من صفوة الجياد. هدية ثمينة ياسر الغامدي، 21 عاما، انتهز فرصة الهدية الثمينة التي تسلمها من أحد المقربين، ليبدأ رياضة الفروسية: «الفضل بعد الله في ممارستي لهذه الهواية الجميلة لأحد ملاك الإصطبلات، حيث أهداني فرسا وبالتالي وجدتها فرصة كبيرة لممارسة هذه الهواية ومعرفة أسرارها، وأتواجد في مكان التدريب بشكل يومي، وأدعو أصدقائي ومعارفي لممارسة هذه الهواية، وأطمح إلى أن أصبح في المستقبل القريب أحد المتسابقين بهذه الخيول في ميادين الفروسية». هاوي الفروسية ويعتبر عبدالرحمن الشهراني، 23 عاما، بقاءه مشجعا فقط لهذه الهواية، لعدم توافر الأندية التي تحفز الشباب على الانضمام لها: «نعرف أنها رياضة النخبة فقط، ومن أين لنا بآلاف الريالات لشراء الجياد، وإذا توافر لأحدنا المبلغ، فالأمر يحتاج إلى مزيد من التربية للحفاظ على الجياد، مما يكرس غياب الشباب عن هذه الهواية». وجدت ضالتي ماجد الحربي، 22 عاما، يعتقد أنه وجد ضالته في الفروسية: «للأسف كنا غائبين أو مغيبين عن ممارسة هذه الهواية العربية الأصيلة، وبالتالي كانت أولى مبادراتي الجادة في تعلمها شراء فرس بمبلغ تجاوز 3500 ريال، لأبدا أولى مراحل تعلمي لهذه الهواية الجميلة، وبعدها تدربت إلى أن أصبحت الآن أستمتع بممارستها بشكل كبير، ويجب على أولياء الأمور تعليم الأبناء هذه الهواية منذ الصغر، سواء عن طريق التعلم الشخصي أو عبر المدارس». حلمي تحقق وسرعان ما اشترى سعود الرشيدي، 25 عاما، أحد الخيول بمبلغ سبعة آلاف ريال، ليمارس هوايته المفضلة: «أرتاد هذا الموقع بشكل يومي وأقوم برحلات طويلة برفقة حصاني، أحيانا تتعدى عشرات الكيلو مترات، وأعتبرها هواية محببة، والحمد لله تحقق حلمي بشرائي فرسا خاصا، ليعزز الرغبة الجادة في هواية مشرفة تعلمنا فعلا الصبر والقوة والحماس والرفق بالحيوان وأهميته». ويصف عامل الإصطبل أبو الهاشم، بنجالي الجنسية، الذي يعمل في تربية الخيول منذ 18 عاما، إقبال الشباب على تعلم الفروسية،لا يزال دون المأمول: «دربت العديد من الشباب على هذه الهواية وتخرج على أيدي فرسان كثيرين، لكن الإقبال لا يزال بسيطا نوعا ما ويختلف من وقت إلى وقت آخر». حضور مسنين في اتجاه آخر كان حضور العم أبو عبدالرحمن، 65 عاما، مميزا، مبديا إعجابه بانتباه الشباب لهذه الرياضة التي أوشكت على الاندثار: «تعلق الشباب بهذه الهواية أمر جيد في هذا العصر الذي كثرت فيه الملهيات والمغريات بأمور التقنية أو غيرها كالفضائيات المخربة، وبالتالي فإن تخصيص الشباب أوقاتا لممارسة هذه الهواية أمر يبشر بالخير، خاصة أن الفروسية رياضة العرب الأصيلة التي اشتهروا بها منذ عصور سابقة». وتحسر أبو عبدالرحمن من عدم تعلمه الفروسية في عصره: «للأسف كان وجودها قليلا، فبحكم المنطقة التي عشت بها كانت لا تتوافر إلا بأعداد قليلة لا تكاد تذكر، ولطالما تمنينا تعلم الفروسية وممارستها، رياضة تدلل على الشجاعة والقوة والتحمل والصبر». ونصح الشباب بالإسراع في ممارسة رياضة الفروسية، التي يحثنا عليها ديننا الحنيف، مشيرا إلى أنه لا يمانع من تعلم الفتاة لهذه الرياضة، ولكن وفق الضوابط الشرعية، وفي أماكن مخصصة تضمن لهن الخصوصية. الرأي النفسي من جانب آخر اعتبر المستشار النفسي والأسري الدكتور عادل البعيجان ممارسة الفروسية تحمل الكثير من العبر والمفاهيم، وفي مقدمتها الإحساس بمدى الدور الذي أداه الصحابة، رضوان الله عليهم، في سبيل نصرة الإسلام، تحت قيادة سيد البشرية، عليه الصلاة والسلام. وأشار إلى أن بعض الشباب يلجؤون للفروسية في إطار التسلية: «لكي نربط بميثاق متين علينا أن نعلمها الأجيال تعليما منهجيا جادا خاضعا للتقييم في إطار التربية والفروسية، ولكون الإطار العام للفرسان التحدي والقوة والحماس فقد جذبت بذلك الكثير من الشباب إلى ممارسة هذا النوع من الهوايات سواء أكان هذا الانجذاب واعيا أو غير واع أو متأثرا بالعقل الجمعي، الذي يجمع بين متناقضات الأمور في اللهو والتسلية وضياع الوقت والتعلم». وأشار إلى أن لجوء الشباب في هذا الوقت لهذه الهواية يعد نوعا من استغلال للفرص من قبل هؤلاء الشباب: «مهما تنوعت هذه الغايات، إلا أن هناك فائدة يجنيها هؤلاء الشباب وهي درجة الارتياح التي تتحقق لأصحابها، بغض النظر عمن يقرها أو ينفيها عنه».