قبل عشرين عاماً وأثناء المصافحة التاريخية بين إسحق رابين وياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض بدا السلام أمراً ممكناً في نهاية المطاف، لكن الأمل الذي أنعشته اتفاقات أوسلو ما لبث أن تبدد فيما لا يزال الفلسطينيون في انتظار دولتهم المنشودة. فالعملية التي انطلقت مع توقيع إعلان المبادئ في 13 أيلول (سبتمبر) 1993 في حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية، وكلاهما متوفٍ، لم تحقق نتائج مرجوة لا سيما بسبب استمرار الاستيطان الإسرائيلي. وبعد مرور عقدين على توقيع اتفاق أوسلو، تغير الوضع على الأرض كثيراً مع التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين وبناء الجدار العازل بين إسرائيل والضفة الغربية. وفي الوقت الحاضر يعتبر أكثر من ثلثي الإسرائيليين والفلسطينيين (68 و69 في المئة) أن الفرص ضعيفة أو معدومة في قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل في خلال خمس سنوات وفق استطلاع أجري في حزيران (يونيو). وأقر الوزير الإسرائيلي السابق يوسي بيلين وهو من مهندسي تلك الاتفاقات، بأن «واقع أن نجد أنفسنا بعد 20 عاماً على توقيع اتفاقات أوسلو أمام حجج واهية بدلاً من بنية منجزة أمر مخيب للآمال»، محذراً «من خطر تفكيك السلطة الفلسطينية في حال فشلت كل المحاولات للتوصل إلى تسوية في الأشهر المقبلة». لكنه أكد في مقالة نشرتها صحيفة هآرتس «أن الاعتراف المتبادل القائم بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بقي على حاله». وأضاف «أن إسرائيل والفلسطينيين ينسقون اليوم العمليات في جميع الميادين، بخاصة في مجال الأمن، إنه التغيير المهم الذي حملته اتفاقات أوسلو». إلا أن الحصيلة التي يعطيها الفلسطينيون قاتمة أكثر. وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي «منذ إعلان المبادئ حققنا عودة القيادة الفلسطينية إلى الأراضي الفلسطينية وعودة حوالى 300 ألف عائلة وبناء مؤسسات فلسطينية خاصة وبناء نظام فلسطيني إداري خاص». لكنها استطردت «خسرنا الكثير سواء على صعيد الأرض أو الموارد والقدرات الفلسطينية الخاصة، وقامت إسرائيل بفرض بنية تحتية معينة وتم تحويلنا إلى معازل منفصلة بحيث باتت المستوطنات كأنها الأساس والوجود الفلسطيني هو الجديد». وأردفت عشراوي «بات الأمر يهدد بالقضاء على فكرة حل الدولتين». وقال المحلل السياسي حسن عبدو من قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منذ 2007، إن الشعب الفلسطيني «لن يجني أي نتائج إيجابية من اتفاق أوسلو» مشيراً إلى أن الاتفاق مسؤول عن «الأزمة التاريخية للحركة الوطنية الفلسطينية». وبحسب عبدو فإن أوسلو «كاتفاق مرحلي ولد عنه سلطة بالتعاقد مع الاحتلال نظر إليها الشعب الفلسطيني بصفتها مرحلة انتقالية للوصول إلى الدولة»، مؤكداً أن «الاحتلال عمل على تهديد هذه المرحلة الانتقالية ولم يصل أوسلو إلى محطته النهائية كما يتصور الفلسطينيون». واعتبر المحلل هاني المصري، ومقره في الضفة الغربية أنه «بعد عشرين عاماً على اتفاق أوسلو من الواضح أن هذه المفاوضات لم تحقق شيئاً، فالاحتلال تعمق والاستيطان توسع. والأسوأ من هذا كله هو أن الجانب الفلسطيني عاد للمفاوضات بالطريقة نفسها وبالأسلوب نفسه»، في إشارة إلى استئناف المحادثات في آب (أغسطس) تحت رعاية الولاياتالمتحدة. ويدعو يوسي بيلين إلى انخراط أكبر ل «طرف ثالث (الأميركيين والأوروبيين)» ورأى أنه «عندما يعتبر قادة الطرفين أن الوضع القائم أمر مقبول، فإن طرفاً ثالثاً يصبح أمراً ضرورياً لإعادتهما إلى الواقع». ويطالب المفاوض الفلسطيني نبيل شعث هو أيضاً بتغيير جذري في الأسلوب مع إشادته باتفاق أوسلو. وقال في هذا السياق «عندما انطلق (اتفاق) أوسلو كانت هناك فرصة جيدة للنجاح مع وجود فريقين قويين للسلام، الفلسطيني والإسرائيلي، وزعيمين مصممين على النجاح». وأضاف «أن مشكلة أوسلو الأساسية هي أنه لم يطبق أو أنه (طبق) بطريقة انتقائية». وأمام «اختلال القوى الذي يجعل الاتفاقات غير قابلة للتحقيق»، يطالب شعث ب «تدخل دولي مع التزام في مراقبة احترام الاتفاقات واتخاذ تدابير في حال انتهاك أي طرف». ولم يعد الفلسطينيون يريدون السماع باتفاقات على مراحل مثل أوسلو. وأكد شعث «لا إرجاع أي شيء إلى المستقبل، لا اتفاقاً مرحلياً بعد الآن. لقد تعلمنا أمثولتنا». وفرض الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني على المفاوضات الحالية نوعاً من التعتيم الإعلامي. ولكن المصري يرى أن ذلك يعود إلى «الخجل من هذه المفاوضات لقناعة الطرفين بأن مفاوضات أوسلو لم تحقق شيئاً». ووفق المصري، فإن عودة المفاوض الفلسطيني «كانت أسبابه بالأساس ضعف الوضع الفلسطيني والانقسام السياسي، إضافة إلى ما يجري في الوطن العربي من حالة ضعف عامة». أما المحلل السياسي عدنان أبو عامر وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة فقال «لا شك في أن اتفاق أوسلو كان مرحلة اضطرارية بين الجانبين ولم يكن بملء رغبة إسرائيل أو منظمة التحرير»، مشيراً إلى أن الجانبين «لم يحققا ما أراداه حيث لم يحصل الإسرائيليون على أمن كامل في غزةوالضفة الغربية، ولم تستعد السلطة الفلسطينية أراضي عام 67 التي وعدت بها». وتابع «يمكن القول إن اتفاق أوسلو الذي كان في حينه مرحلة اضطرارية استعجالية، لم يؤسس لاتفاق سياسي حقيقي بل أعاد الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 1967». وعن المفاوضات التي انطلقت أخيراً قال أبو عامر إنها «محاولة لإرضاء الراعي (الأميركي)».