أعلن النظام السوري فجأة تخليه عن قرار سيادي بترحيبه وضع ترسانة أسلحته الكيماوية تحت رقابة دولية تمهيداً لتدميرها. هكذا إذن يعترف هذا النظام بامتلاكه مثل هذه الترسانة، بعد نفي لأعوام طويلة جرى تكراره على نحو شبه يومي منذ عامين ونصف العام. وماذا عن الترسانة الجرثومية؟ هل يملك النظام السوري مثل هذه الترسانة، وهل تخضع للعرض المتعلق بالكيماوي؟ لكن لماذا على النظام أن يتخلى عن ترسانته، ما دام مرتكبو المجزرة الكيماوية في الغوطتين هم الإرهابيين الذين خطفوا أطفال الساحل السوري لحرقهم بالكيماوي في ريف دمشق؟ ترى هل سأل الوزير سيرغي لافروف، قبل أن يعلن عرضه وضع الترسانة الكيماوية تحت إشراف دولي، الوزيرة والمستشارة الإعلامية بثينة شعبان التي شاركت الوزير وليد المعلم في المحادثات في موسكو، عن أدلتها لإعلان حرق أطفال الساحل في ريف دمشق بالكيماوي على أيدي الإرهابيين؟ وهل كان لجوابها دور في العرض؟ الأرجح لا، ليس لأن الوزيرة المستشارة فقدت حس الاتجاهات ومعنى الأدلة منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية، وإنما لأن الوزير لا يهمه من قتل في الغوطتين بل يريد حماية النظام. في أي حال، ظهر من الترحيب السوري بالعرض جملة أكاذيب ظل يروجها النظام في دمشق، ويدسها في وسائل إعلام «محايدة»، ليؤكد تعرضه للمؤامرة الصهيونية - التكفيرية. ليصبح كيماوي الغوطتين سلاحاً إسرائيلياً وفرته مخابرات عربية خليجية للإرهابيين التكفيريين الذين أحرقوا به المدنيين السوريين. لكن لماذا لم يطالب النظام بوضع الترسانة الكيماوية الإسرائيلية والخليجية تحت الرقابة الدولية بدل مخزونه؟ لا بل لماذا لم يطالب بتحقيق في امتلاك المعارضة المسلحة لترسانة كيماوية لمصادرتها ووضعها تحت إشراف دولي وتدميرها؟ إنه لم يفعل ذلك، لأنه يعرف أن كل ما سربه أكاذيب وأن المعلومات الدقيقة عن استخدام السلاح الكيماوي باتت معروفة وموثقة، وتالياً لا يمكن الهروب من مسؤولية هذا الاستخدام. فلذلك ينبغي نزع ذريعة حيازة هذا السلاح لتعقيد القرار بتوجيه ضربة عسكرية غربية لقوات النظام، فجاء عرض التخلي عنه، رغم ما في ذلك من تخل عن شأن سيادي. لتنكشف بذلك كذبة كبرى أخرى عن السيادة التي طالما تغنى النظام بأنه لا يتساهل بها، فإذا به «يهديها» للمجتمع الدولي حفاظاً على وجوده... في أي حال، أطلق العرض الروسي، وما رافقه من ترحيب سوري ومن حلفاء دمشق وفي واشنطن، عملية ديبلوماسية تتضمن الكثير من الغموض والتفاصيل على نحو قد تأخذ معه أشهراً قبل التوصل إلى اتفاق دولي - سوري على كيفية نقل السيادة على الترسانة وتجميعها وتدميرها، بما يكون أفرغ العملية من أهدافها التي في مقدمتها التوجه إلى حل سياسي. لكن هذا الحل السياسي لن يستقيم ما لم يكشف مرتكبو الجرائم الجماعية والمسؤولون عن استخدام أسلحة دمار شامل وأن يمثل هؤلاء أمام المحاكم لتثبيت المبدأ أن مرتكباً لجرائم ضد الإنسانية لن يبقى مستتراً ومن دون عقاب، وتالياً ليس جزءاً من أي حل سياسي. في هذا المعنى، لن يكون تسليم الترسانة الكيماوية، في حال حصوله وبسرعة، بديلاً من كشف المسؤولين عن مجزرة الغوطتين ومحاسبتهم، لا بل ينبغي أن تسير العمليتان معاً، بغض النظر عن الضربة العسكرية التي يبدو أنها أصبحت مسألة داخلية في الولاياتالمتحدة وفرنسا.