أصوات شبابية عذبة تنشد بإحساس سبعينات القرن الماضي وتختار ألحاناً تستقطب آذان هواة سماع الموسيقى، هذا ما تعتمده الفرق الشبابية التي بدأت تتكاثر في بغداد هذه الأيام وتعتمد على المواهب النسائية. التفاعل مع اللحن والجمهور بات ميزة خاصة لتلك الفرق التي نشطت في شكل كبير منذ إعلان بغداد عاصمة للثقافة العربية وظهور فعاليات شبابية مختلفة في هذا الإطار، من بينها بروز تلك الأصوات التي تحمل سمة جمالية خاصة قللت من لوم الأجيال السابقة للشباب واتهامها لهم بإشاعة الأذواق الموسيقية المتدنية في الشارع العراقي. مطربات تلك الفرق يجذبن الأسماع قبل الأنظار ويكشفن مواهب جديدة وجادة في مجال الغناء قد تغيّر ما يقال عن عدم تجرؤ الشابات في العراق على الانخرط في مجال الغناء خوفاً من النظرة الاجتماعية الجارحة، تلك الرؤية التي لم تظهر إلا بعد انتهاء مرحلة ثمانينات القرن الماضي واختفاء عشرات الأصوات النسائية الجميلة التي تقاعدت مبكراً. اللافت أن الفتيات اللواتي يغنّين مع تلك الفرق يتمتعنَّ بثقة كبيرة بالنفس وقدرة أكبر على احتواء اللحن الصعب، فليس من السهل العثور على أصوات تملك تلك الإمكانات الفريدة وتتمكن من أداء أُغنيات حفرَت لها مكاناً مرموقاً في ذاكرة الأغنية العراقية الأصيلة وما زالت الأجيال ترددها حتى اليوم. إطراب الشيوخ يكاد يكون سمة عامة بين الأصوات النسائية الجديدة التي إذا جرى الاهتمام بها بالشكل المطلوب قد تعوّض النقص الذي واجهته الساحة الغنائية في العراق في مجال الأصوات النسائية في غضون سنوات قليلة. والمشكلة التي تواجهها بعض المطربات الشابات هي محاولة المنتجين الفصل بينهن وبين الفرق الشبابية التي اعتدن الغناء معها لسنوات، في حين أنهن بغالبيتهن يرغبن في العمل داخل فرقهن التي غالباً ما تضم مجموعة من زملاء الدراسة في كلية الفنون الجميلة أو أصدقاء جمعتهم هواية الموسيقى والغناء. نسرين جميل شابة تهوى الغناء وتمارس هذه الهواية في فرقة صغيرة تضم شقيقها وصديقتها وزوج صديقتها حيث اتفق الأربعة على تشكيل فرقتهم قبل عام ونصف وما زالوا يعملون في شكل تطوعي. تقول نسرين: «من النادر أن أُغني بمفردي على رغم إجماع بقية أعضاء الفرقة على ضرورة القيام بذلك، ففي معظم الأحيان أُغني برفقة شقيقي الذي يملك هو الآخر صوتاً جذاباً يمنحني ثقة أكبر حينما أُشاركه في أداء أُغنية. والعمل في الفرقة لا يهدف إلى كسب العيش فجميعنا نعمل في وظائف تساعدنا على توفير بعض المال لإدامة فرقتنا التطوعية». مسّرة محمد التي تغني مع إحدى الفرق الشبابية في بغداد، تقول إنها تملك موهبة الغناء منذ طفولتها، وإن تشجيع والدها لها منذ صغرها وحرصه على إسماعها بعض أنواع الموسيقى والغناء التراثي كانا سبباً رئيساً لصقل موهبتها. وتتحدث بحماسة كبيرة عن الفن وتقول: «أتفاعل مع اللحن القديم وأستشعره بقلبي، وحين أُغني أشعر بأنني عصفور طائر في عالم الأحلام، فلا أفيق من هذا الشعور إلا بعد سماعي تصفيق الحاضرين». التشجيع الذي تحظى به مسّرة بين أفراد عائلتها لا يمنع تعرضها للانتقادات من بعض زملائها في مجال الدراسة، لكنها في المقابل تتمتع بدعم كبير من زملاء آخرين غالباً ما تدعوهم إلى سماع صوتها في بعض الحفلات المفتوحة. وتقول: «أشعر بسعادة غامرة عندما يستجيب كثيرون من زملائي لدعوتي، فهذا يعني أن حب الفن الأصيل ما زال موجوداً بين الشباب في العراق على رغم غزو اللحن الغجري الشارع وتطرُّف الأذواق باتجاه أغانٍ تحمل الكثير من الإساءة إلى الذوق العام».