شهدت الساحة الغنائية خلال الأعوام الماضية تحولاً واضحاً في هوية وشكل الأغنية، واتجه معظم الفنانين إلى تقديم أغنيات ذات شكل ورتم موسيقي واحد، فكانت السمة الغالبة هي أغانٍ إيقاعية سريعة بسرعة إيقاع العصر الذي نعيشه، وخلال دقائق معدودة تنتهي صياغة فكرة الأغنية ذات الثلاث أو الخمس دقائق, بجلسة واحدة بين الشاعر والملحن, وبأبسط كلمة وأسهل لحن. وقد يكون الملحن هو الملام الأكبر في هذا الواقع باعتباره حلقة الوصل بين الشاعر والمغني, وهو من عليه تقوم صناعة الأغنية، لذلك اتجهنا بسؤالنا للملحن القدير ناصر الصالح عن توجه الأغنية نحو الإيقاع الشبابي الخفيف, فقال بأنه من الظلم تحميل الملحن المسؤولية "إن كان الفنان هو من يختار ما يقدمه للجمهور.. فمتى ما كان الفنان حريصاً على البحث عن أغانٍ طربية عميقة في كلماتها ولحنها فحتماً سيجدها". مؤكداً أن ذوق الفنان هو المحرك الأساسي لصناعة الأغنية "وعليه يعتمد الكاتب والملحن في توليفة العمل". ويعبر الصالح عن ثقته بعودة الأغنية السعودية إلى عهدها الجميل "لأنه إن كانت الموجة الشبابية قد سيطرت خلال السنوات الماضية فحتماً سيكون القادم عودة لأغاني الطرب التي فقدناها"، مشيراً إلى أن هناك أعمالا قادمة من هذه النوعية بأصوات كل من المطربة الكويتية نوال في أغنية "الجروح صغار" والفنان تركي والفنانة شذا حسون. ويؤكد الصالح أن النجوم الكبار يتحملون الجزء الأكبر من تغييب الأغنية الطربية الكلاسيكية، وعذرهم في ذلك أن مثل هذه الأعمال لا يكون الطلب عليها كثيراً في حفلاتهم الخاصة والعامة فيلجؤون لتقديم الأغاني الخفيفة "ولكن هذا الأمر لن يطول من وجهة نظري لأني أول من طالب بتقديم الأغاني الطربية ولازلت حتى وإن ابتعد عنها النجوم الكبار فسيكون للشباب حضور مميز في هذا الجانب".. ويضيف الصالح "والدليل على كلامي أغنية "صح النوم" التي قدمها الفنان فهد الكبيسي ذات البعد الطربي الكلاسيكي والتي حققت صدىً رائعاً وتحسب في تاريخي ولا يمكن إغفالها". الملحن ناصر الصالح ذهب إلى أكثر من ذلك ليؤكد أنه يبحث عن الأسماء الشابة ليدعمها لأنها تساعده في تقديم فكره الموسيقي بصورة أكبر وأفضل "حالياً جل تركيزي على الأسماء الشابة التي معها يكون التعامل سهلاً وأستطيع أن أقدم رؤيتي كملحن، وليس لدي أي خوف من رفض الأسماء الكبيرة من تقديم الأغاني الطربية لأن الشباب سيعوضون هذا الأمر، لكن تبقى هناك مشكلة في وجود النص الملائم لمثل هذه الأغاني بسبب غياب الشعراء الذي يعرفون حبكة النص المكبلة والذين يفهمون الأغنية الحديثة، لأن ليس كل نص يمكن أن يقدم كعمل طربي". ونفى الصالح أن يكون لشركات الإنتاج دور في توجه الفنانين للأغاني الإيقاعية الخفيفة، رافضاً أن يكون لها وصاية أو تدخل في اختيارات الفنان. واتفق الفنان والملحن بندر سعد مع الملحن القدير ناصر الصالح على أن المطرب هو من يتحمل غياب الجانب الطربي في الأغنية السعودية، وقال: "يكاد يكون المطربون متفقين "بصمت" على تقديم أغان إيقاعية راقصة تخدمهم في حفلاتهم العامة والخاصة، فأغاني السنغل بدت مسيطرة على الساحة الآن ولو تلاحظ فإن معظمها تكون إيقاعية راقصة تصل للمستمع بسرعة ويجد صداها الفنان عند بداية طرحه لها، أما الأغاني الطربية المكبلهة فتحتاج لوقت طويل للسماع ولن يصل صداها إلا بعد وقت وطويل من طرحها وهو ما يزعج المطرب". وعن تجربته الشخصية مع زملائه المطربين يقول: "الكثير منهم يطلب أغنية "أفيه" "لامعة" تلفت الانتباه وتكون شبابية راقصة، فهذه ملامح الأغنية التي يبحث عنها الكثير، ولا أخفي عليك أن لدي الكثير من الأغاني الطربية الكلاسيكية ولكن قليل من يطلبها، وحالياً انتظر أغنية "يصيح الليل" بصوت فنان العرب محمد عبده التي فيها كمية من الطرب المحبب للجمهور، كما قدمت سابقاً عددا من هذه النوعية من الأغنيات مع كل من الفنان فضل شاكر والفنانة أنغام وآخرين". وتمنى بندر من زملائه في الساحة الغنائية أن لا ينسوا الهوية السعودية مهما تطورت أغانيهم وأصبحت عصرية "فمن الممكن أن تجاري الإيقاعات الأخرى لكن تبقى الأغنية السعودية ذات هوية خاصة". من جانبه قال الملحن الشاب محمد بو دله أن وضع الأغنية الحالي لن يتغير وستستمر الأغنية السريعة بما أن هناك طلباً عليها وقبولاً من المستمع "وصدقني هذا الشيء يلمسه المطرب من خلال تعاطيه مع وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال محركات البحث على الإنترنت، فهو يجد أن الأغنية السريعة تجد صدى واسعاً ونسبة سماعها عالية لذلك يحرص على وجودها في ألبوماته أو في أعماله المنفردة". ويضيف بو دله: "هذا الأمر لا يعني أن الأغنية المكبلهة ليس لها مستمعون بالعكس هناك من يبحث عنها ولكنه يجدها في صوت فنان العرب وفي النجوم السابقين، أما الأغنية الطربية في الفترة الحالية فتأتي بشكل مطور يواكب هذا العصر، وفي ألبوم المطربة أحلام الجديد هناك عمل بعنوان "موعدك" طربي مكبله خفيف يلامس ذوق هذه الفئة، اتفقت أنا والمطربة أحلام على توليفه بشكل مميز يشابه إحساسنا". وأكد بو دله أن أعماله التي يقدمها نابعة من ذوقه وإحساسه هو دون تأثير من المطرب، وقال: "أنا ملحن شاب ولدي انفتاح على كل الأذواق ولذلك ستجدني أقدم أعمالي بجميع الأشكال الفنية حسب رؤيتي وذوقي". فيما لم يذهب بعيداً الفنان والملحن عصام كمال الذي أكد أن نتاج الأعوام الأخيرة من الألحان هو محصلة طبيعية لما "يطلبه المستمعون" فالفنان يريد النجاح والوصول لعمله ولذلك هو يساير رغبة المستمع "ورغم ذلك فهناك أعمال خفيفة مملوءة طرباً ورومانسية ولا تقل جودة عن الأعمال الطويلة المكبلهه"، مضيفاً: "طبيعة الوقت تغيرت وأصبح متسارعاً ولذلك يجب أن تجاريه، وعنّي أنا فما أقدمه أحرص ألا يرتبط بوقت معين، ولذلك فأعمالي انتقائية بشكل كبير ابتداء من اختيار النص إلى وضع اللحن المناسب إلى ملاءمة صوت من سيؤديها". عصام كمال محمد بودله بندر سعد