تنتقل الأزمة المصرية بتداخلاتها المعقدة اليوم إلى ساحات القضاء، حيث تبدأ محاكمة مرشد «الإخوان المسلمين» محمد بديع ونائبيه خيرت الشاطر ورشاد البيومي في قضية قتل متظاهرين أمام مقر الجماعة، تزامناً مع استئناف محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك بتهمة قتل متظاهرين أيضاً خلال الانتفاضة الشعبية التي أطاحته. لكن مصادر قضائية رجحت عدم ظهور قادة «الإخوان» أو مبارك اليوم بسبب الظروف الأمنية، ما سيتطلب إرجاء النظر في القضيتين. وتعهد أمس رئيس الوزراء حازم الببلاوي «الالتزام ببرنامج حماية المسار الديموقراطي، والحرص على إعادة الأمن والاستقرار السياسي في البلاد لأن من دونهما لن يستطيع المواطن الشعور بالأمان». ودافع عن المواجهات الأمنية مع «الإخوان»، وإن أعرب عن أسفه لسقوط ضحايا واعتبره «خسارة للجميع»، لكنه قال إن ما قامت به حكومته من إجراءات «كان فيه نوع من التوازن بين الحزم والحسم، وإعطاء الفرصة للآخرين لمحاولة فك الأمور». وأضاف: «لا يمكن علاج المشاكل فقط بالإجراءات الأمنية... بل لا بد من المسار السياسي، وخريطة الطريق مهمة لبناء حياة ديموقراطية سليمة». لكنه شدد على أن «لا تسامح مع من تلوثت يداه بدماء المصريين أو حمل السلاح. الباب مفتوح وأيادينا ممدودة لكل من يعلن نبذ العنف ويقر بخريطة الطريق». وتعقد محكمة جنايات القاهرة اليوم أولى جلسات محاكمة مرشد «الإخوان» ونائبيه لاتهامهم بتحريض عدد من أعضاء التنظيم على قتل متظاهرين أمام مقر مكتب إرشاد الجماعة في المقطم خلال تظاهرات 30 حزيران (يونيو) الماضي. وكانت الاشتباكات في محيط مكتب الإرشاد بين متظاهرين وأعضاء من «الإخوان» أسفرت عن مقتل 9 أشخاص وجرح 91 آخرين. وأظهرت أشرطة مصورة إطلاق قناصة النار من بنادق آلية من مقر الجماعة على متظاهرين. وأوضح مصدر قضائي أن الجلسة ستعقد في دار القضاء العالي برئاسة القاضي محمد أمين فهمي القرموطي وعضوية القاضيين عمر أحمد إبراهيم وعمر عبدالفتاح. وتوقع «عدم حضور المتهمين في القضية للمثول أمام المحكمة نظراً إلى الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد والتي تحول دون حضورهم». وأضاف أن محكمة استئناف القاهرة تدرس مخاطبة وزير العدل لنقل مقر المحاكمة في وقت لاحق «حرصاً على الوضع الأمني وسلامة تأمين المتهمين وهيئة المحكمة». ويواجه بديع والشاطر وبيومي اتهامات تتعلق ب «الاشتراك بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة مع المتهمين الثلاثة الأوائل (أعضاء في الجماعة متهمين بالقتل) وآخرين مجهولين في القتل والشروع في القتل وحيازة المفرقعات والبنادق الآلية والخرطوش». وأكدت تحقيقات النيابة «توافر الأدلة على ارتكاب المتهمين الثلاثة الأوائل لجرائم القتل والشروع في قتل بعض المواطنين من المتظاهرين السلميين أمام مقر مكتب الإرشاد في المقطم، وحيازة مفرقعات وأسلحة نارية آلية وبنادق خرطوش وذخائر، بقصد استعمالها في أنشطة تخل بالأمن العام والمساس بالسلام الاجتماعي». وأشارت النيابة إلى أن «التحقيقات أثبتت اشتراك بديع والشاطر وبيومي في ارتكاب تلك الجرائم عن طريق الاتفاق مع المتهمين الثلاثة على التواجد داخل مقر مكتب الإرشاد وإطلاق النار على من يتظاهر أمام المبنى مقابل مبالغ مالية، وساعدوهم على ارتكاب تلك الجرائم بأن أمدوهم بالأسلحة والذخائر والمفرقعات». وتستكمل اليوم محكمة جنايات القاهرة التي تعقد جلساتها في مقر أكاديمية الشرطة محاكمة مبارك في قضية قتل متظاهرين خلال «ثورة يناير» التي أطاحته. ويحاكم مبارك هذه المرة وهو خارج السجن بعدما غادره الخميس الماضي على متن مروحية، متجهاً إلى مقر إقامته الجبرية في مستشفى المعادي العسكري إثر قرار محكمة إخلاء سبيله لاستنفاده مدة الحبس الاحتياطي المقررة قانوناً. ودافع الببلاوي أمس عن قرار وضع مبارك قيد الإقامة الجبرية، مشيراً إلى أنه «جاء لضمان استقرار الأوضاع في البلاد لأننا في حال طوارئ ولضمان الأمن العام». وأكد في معرض تعليقه على إطلاق سراح الرئيس المخلوع أن «الحكومة حريصة على احترام سلطة القضاء وعدم التدخل فيه»، مشيراً إلى أن «قرار المحكمة بالإفراج عن مبارك جاء حسب القانون الذي يضع حداً أقصى لمدة الحبس الاحتياطي وهو استنفد هذه المدة والقرار واجب التنفيذ. وعلينا احترامه». إلى ذلك، تبرأت جماعة «الإخوان» من فتاوى أطلقها محسوبون عليها ب «تكفير معارضيها». وقالت في بيان إنها «لا تكفر الانقلابيين رغم كل الفظائع التي ارتكبوها بحق مصر والمصريين، ومع كل الدماء الزكية التي أراقوها بغير حق». ورفضت «اللعب بورقتي العنف الطائفي والتكفير، لإعطاء صورة مغلوطة عن ثورتنا السلمية المتسامحة الجامعة». واتهمت «الأجهزة التابعة للانقلاب» ب «افتعال حرق الكنائس أو بعض الممتلكات لمواطنين مصريين مسيحيين، والدفع ببعض العناصر الإجرامية للقيام بهذه الأعمال المنكرة لتعطي صورة مشوهة للوضع المصري، تبادر أجهزة الإعلام الانقلابية وبعض المنظمات التابعة للانقلاب بتقديمها للعالم على أن الثوار هم الذين قاموا بهذه الجرائم الوحشية المستنكرة». وأضاف البيان: «هم إخواننا بغوا علينا. وخلافنا معهم لا علاقة له بالإيمان والكفر، ملأوا الأرض فساداً واستبداداً بخروجهم على الرئيس الشرعي المنتخب وتعطيلهم الدستور واستبدادهم بالأمر عن طريق القوة المسلحة من دون إرادة الشعب، وكل ذلك يصب في مصلحة أعداء الأمة الصهاينة الذين يجوبون دول العالم دعماً للانقلابيين». وطالبت الجماعة المصريين ب «ألا يستجيبوا لما يدفعهم إليه الانقلابيون من اليأس، وألا يسكتوا عن المطالبة بحقوقهم، فما ضاع حق وراءه مطالب». ودعت إلى «الدخول في عصيان مدني متدرج في المصالح المختلفة، وأن تنزل الأمة كلها ضد الانقلاب بصورة سلمية وأن تشارك في كل الفاعليات السلمية الرافضة له». من جهة أخرى، أحال النائب العام أمس على نيابة أمن الدولة العليا بلاغات تتهم الناشطتين البارزتين إسراء عبدالفتاح وأسماء محفوظ ب «العمالة والتخابر لجهات أجنبية». واستند البلاغ إلى تقارير صحافية تنقل عن وزيرة التعاون الدولي في آخر حكومات الرئيس المخلوع فايزة أبو النجا تتهم ناشطين بالحصول على بليون و600 مليون جنيه، وأن عبدالفتاح ومحفوظ من ضمن الحاصلين عليها. وكانت أبو النجا تشير إلى مساعدات غربية للمجتمع المدني في مصر تم دفعها بموجب اتفاقات مع الحكومة، لكن مقدم البلاغ اعتبرها دليلاً على «العمالة».