تحدت مهرجانات بعلبك الدولية الوضع الأمني المتوتر الذي يشهده لبنان، وكان افتتاحها مساء الجمعة، بعد ساعات من تفجيرين في مدينة طرابلس (شمال لبنان)، بمنزلة «كسر اللعنة» التي لاحقت الدورة الحالية، بحسب وزير السياحة اللبناني فادي عبود الذي قال لوكالة «فرانس برس» إن استمرار المهرجانات هذه السنة يشكّل «فعل مقاومة»، على رغم إقامتها استثنائياً في إحدى الضواحي الشمالية لبيروت بسبب الظروف الأمنية التي تشهدها بعلبك القريبة من الحدود مع سورية. ولاحظت رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك الدولية نايلة دو فريج، في كلمة ألقتها قبيل رفع الستارة عن أولى حفلات البرنامج الفني ليل الجمعة - السبت، أن لبنان يمر في مرحلة «صعبة جداً، فيها تهديد لكيان الوطن». وقالت: «شهداؤنا يسقطون في كل لبنان، ونعزي العائلات ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى»، في إشارة إلى ضحايا تفجيري طرابلس اللذين أوقعا عشرات القتلى ومئات الجرحى، وتفجير آخر سبقه قبل أيام في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأضافت: «على الحياة أن تستمر، وعلى لبنان أن ينهض. لبنان بلد الحضارة والإشعاع هو كطائر الفينيق الذي ينتفض حياً من تحت الرماد». وطلبت من الحاضرين الوقوف دقيقة صمت تعبيراً عن «مشاركة كل من يتألم». أما عبود الذي مثّل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في افتتاح المهرجان، فقال إن «مسحة الحزن موجودة لدى كل اللبنانيين من جرّاء ما يحصل في بلدهم، إلا أن الحياة ينبغي أن تستمر». وأضاف: «لن نقبل بأن يجعلونا نموت، لا جسدياً ولا نفسياً. واستمرار المهرجان فعل مقاومة كي لا نموت نفسياً. يجب أن تستمر الحياة، ويجب أن نبقى الأساس في ثقافة العالم الذي يحيط بنا». ورداً على سؤال عن «اللعنة» الأمنية والسياسية والفنية التي لاحقت المهرجان، أجاب: «لقد كسرناها الليلة». ووسط إجراءات أمنية مشدّدة، حضر نحو ألف شخص حفلة الافتتاح لعازفة البيانو والمغنية البرازيلية إليان إلياس، في الموقع الموقت للمهرجان، وهو معمل للحرير يعود إلى القرن التاسع عشر في منطقة سد البوشرية، شرق العاصمة اللبنانية. شكلت أبنية خان الحرير التراثية الثلاثة، بأحجارها المصفوفة والمكللة بالقرميد الأحمر، خلفية المسرح. وزينت الخشبة صورة عملاقة بالأبيض والأسود لباب أحد المعابد الأثرية في مدينة بعلبك التي درجت على استضافة المهرجان منذ خمسينات القرن الماضي، بين أعمدة آثارها الرومانية. وحضرت مدينة الشمس أيضاً بالذاكرة من خلال معرض يتضمن صوراً لأبرز حفلات الفنانين التي قدمت في مهرجانات بعلبك الدولية. وعلى مدى ساعة ونصف الساعة، عزفت إليان إلياس (53 سنة) وغنّت من لونَي الجاز وال «بوسا نوفا» (وهو نمط موسيقي برازيلي شعبي يمزج الجاز بالسامبا ظهر في نهاية الخمسينات من القرن الماضي في ريو دي جانيرو). وكانت بعض المقطوعات التي غنتها وعزفتها خلال الحفلة تحية إلى جاو جيلبيرتو، أحد رموز ال «بوسا نوفا»، وقدمت تحية إلى عازف الترومبيت ومغني الجاز الأميركي تشت بايكر من خلال أغنيتين من أسطوانتها الأخيرة. وقدمت «سودانسو سامبا» و «روزا مورينا» وسواهما من كلاسيكيات ال «بوسا نوفا». وبدت إلياس أمام البيانو مستغرقة في العزف وكأنها نمرة تنقض على «طريدتها»، أو كأنها، بالعضلات الظاهرة في جسمها، وبحركات يديها اللينتين والسريعتين، بطلة رياضية ملعبها البيانو. ولوحظ أنها تعزف حافية القدمين، ما يسهل عليها استخدام الدواستين. وخاطبت إلياس الجمهور مراراً قائلة: «إن جو لبنان الحار والرطب يذكرني بالبرازيل». وكانت قبل كل أغنية تؤديها عزفاً وغناء تتوقف لتروي بالإنكليزية خبرتها معها وتترجم عناوينها لجمهور كان في صفوفه عشرات البرازيليين. وأحاطت بإليان إلياس فرقتها التي تضم ثلاثة عازفين، هم زوجها مارك جونسون على الفيولونسيل، وروبنز دي لا كورتيه على الغيتار، ورافايل باراتا على الدرامز. تجدر الإشارة إلى أن البرنامج الأصلي لمهرجانات بعلبك كان يتضمن حفلة في 30 حزيران (يونيو) لمغنية الأوبرا رينيه فليمينغ التي ألغت الحفلة لظروف خاصة. وبعد ذلك، أعلنت المغنية البريطانية ماريان فايثفول أنها لن تتمكن من إحياء حفلتها التي كانت مقررة في 17 آب (أغسطس) الماضي، ضمن المهرجان اللبناني، بسبب تعرضها لكسر في عمودها الفقري. أما الفنان اللبناني عاصي الحلاني فارتأى تأجيل حفلته إلى السنة المقبلة، بسبب تعذر إقامة المهرجان في بعلبك.