تحت سماء البحرين سطعت الفنانة ماجدة الرومي نجمة من نجوم الفن الراقي المتوج بالحب والجمال والسلام، في حفلة أقيمت في المسرح الوطني، لتعلن إشارة بداية انطلاق مهرجان صيف البحرين 2013 الذي تنظمه وزارة الثقافة للسنة الخامسة على التوالي، وفق برنامج ترفيهي تثقيفي حمل شعار: «السياحة ثروتنا والبهجة غايتنا». حضرت الحفلة نخبة من وجوه أهل السياسة والثقافة والمجتمع في طليعتهم راعية الحفلة وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي بنت آل خليفة وعدد كبير من رجال الدولة والسلك الديبلوماسي وأهل الصحافة وضيوف من مختلف وسائل الاعلام العربية. كانت ليلة مشهودة، قدمت فيها صاحبة «يا بيروت» على مدى ساعتين ونصف ساعة باقة من أجمل أغانيها بمرافقة الفرقة الموسيقية اللبنانية بقيادة ايلي العليا. استهلت الرومي حفلتها بكلمة مؤثرة توجهت فيها الى «الجمهور البحريني بتحية من القلب والى قيادته الحكيمة التي تتصدى لقوى الظلام بسلاح الفن والثقافة والحب والانفتاح». واعتبرت أن وقوفها على خشبة المسرح الوطني في المنامة فرصة لإشاعة الحب والسلام والطمأنينة في ظل ما تعانيه الأوطان العربية من وحشة الحروب والدمار والموت. وقد حيّاها الجمهور بحرارة شديدة تشبه الجو البحريني في آب (أغسطس) وربما أكثر، وبادلها مشاعرها بعبارات الحب التي انطلقت بطريقة متواصلة طوال الحفلة تعبيراً عمّا يكنه من تقدير لصاحبة الحنجرة الذهبية. ومن ذاكرة أغانيها على مدى أربعة عقود، غنّت نحو عشرين أغنية من قديمها وجديدها. وانتقلت من الإيقاع السريع الى القصائد، ومن الطرب الى الأوبرا والجاز، مع «عم يسألوني عليك الناس»، و«خذني حبيبي عالهنا»، «يا قمراً»، «غني للحب»، «عيناك ليال صيفية»، «وعدتك»، «لوّن عينيك»، «شوف يا حبيبي شوف»... وقد خبّأت جواهرها حتى اختتام الحفلة، لتؤدي أغنية «كلمات» لنزار قباني، ومن ثم الفولكلور اللبناني الذي أشعل الحماسة في القلوب. توهّجت الرومي بثوبها الذهبي كأيقونة فجر جديد، من شعر وخيال امتزجا مع ايقاعات سينوغرافيا المسرح الذي شيدت جدرانه الداخلية كاملة بألواح من الخشب، لتظهر شبيهة بتموجات أخشاب السفن التاريخية التي تميزت بها البحرين. وهي بضخامة أشكال هياكلها التي تومئ بسراب ألوان الصحارى ودفء الرمال، حوّلت المكان الى ما يشبه قلب عود يجلس في أحضانه الجمهور. وهو شكل استعاري يذكر بالعود الذي حمله زرياب الى الاندلس ليحاور من خلاله ميلوديا التزاوج ما بين نسقَي الموسيقى الشرقية والغربية. هذا التزاوج الذي اعتمدته ماجدة الرومي طوال مسيرتها الفنية التي أظهرت أكثر ما يكون حلاوة طبقاتها الذي يتحلى به من الجواب والقرار ولطافة العُرب الموسيقية وسلاستها. اللافت في مشهدية الحفلة العنصر السينوغرافي في لعبة الأضواء التي راحت تحاكي المناخات العاطفية لكلمات الأغاني ورونق شدو الفنانة اللبنانية حين حولت فسحات الفضاء الى شلالات من ضوء كانت شبيهة أحياناً بأشرعة السفن وأحياناً أخرى بالصواري التي تتلألأ وتنتشر كالحلم المندمج. فرفع الجمهور بمختلف أطيافه الشابة والمخضرمة الهواتف الخليوية عالياً لتسجيل لقطات من وقائع الحفلة، حتى يخال المرء أنه وسط أمواج تعوم فيها قناديل البحر وتتلألأ في ضباب البحار وهي تناجي الكلمات والالحان المتراقصة مع بداهة السحر الذي غمر المكان كحلم في ليلة صيف لا تُنسى. في أغاني ماجدة الرومي ما يوقظ الحنين إلى عصر الكبار من مطربي العالم العربي... العصر الذهبي الجميل الذي ولّى. وهي بالطبع استمرار لهؤلاء الكبار. في صوتها حنين وشوق، بل قصائد غزل وبراءة طفولة وشيء دفين من رعونة الصبا الشارد في رحاب الجمال الذي يأبى أن يتخلى عنه أو عن الانسان الكائن فيه.