إن صدور أمر القضاء الجزائري بإلقاء القبض على وزير الطاقة الجزائري السابق شكيب خليل وابنيه وزوجته وابن شقيق وزير الخارجية السابق محمد بدجاوي فريد في قضية فساد ورشاوى مرتبطة بشركة النفط الجزائرية الوطنية «سوناطراك»، يطرح السؤال حول ما إذا بدأت فعلاً المعركة ضمن المؤسسة العسكرية لاختيار خلف لعبد العزيز بوتفليقة الذي لن يخوض المعركة الرئاسية القادمة في نيسان (ابريل) 2014 بسبب الجلطة التي تعرض لها. إن خليل مواطن أميركي عمل طويلاً في البنك الدولي في واشنطن، وكان صديقاً ومن أقرب المقربين لبوتفليقة، الذي طلب منه فور تسلمه الرئاسة القدوم إلى الجزائر لتسلم منصب وزارة النفط في سنة 2000. وخليل (74 سنة) هو من وجدة، منطقة صديقه بوتفليقة. والقضاء الجزائري يتهم الوزير وعائلته وبدجاوي وعدداً من الأشخاص بتقاضي عمولات باهظة مقابل عقود نفط مع «سوناطراك». فصدور الأمر القضائي بحق خليل وعائلته وهم الآن في الولاياتالمتحدة وهو بلد جنسيتهم الثانية يطرح السؤال حول الرابط بين هذا القرار القضائي الذي لن ينفذ كون خليل مواطناً أميركياً والقضاء الأميركي لن يسلمه للجزائر(خصوصاً أنه لا توجد أي اتفاقية تبادل بين البلدين) وبداية معركة الرئاسة لخلافة بوتفليقة وإخراج الجماعات المقربة منه. إن التقليد المعروف في الجزائر لانتخاب رئيس هو أن المؤسسة العسكرية، أي بضعة جنرالات نافذين فيها هم السلطة الحقيقية في الجزائر، يتفقون على عدد صغير من الأسماء ليترشحوا للرئاسة، ثم تتفق المؤسسة العسكرية على واحد أو اثنين من بينهم يلتزمون بشروط المؤسسة، وهكذا يتم اختيار المرشح الأوفر حظاً. هكذا انتخب بوتفليقة، الذي كانت له سلطة لا شك فيها، لأنه كثيراً ما اتخذ قرارات لم تكن دائماً متطابقة مع بعض الجنرالات الذين اختاروه. ومرضه الآن وعدم قدرته على الاستمرار بكافة قدراته في الحكم غيّر المعادلة، فهناك احتمال كبير أن يبقى على رأس البلاد حتى نيسان المقبل موعد الانتخابات رغم مرضه، كي لا تتم زعزعة استقرار الحكم بتغيير المواعيد الانتخابية واتخاذ قرارات طارئة. ولكن كل شيء ممكن إذا تم الاتفاق بين الجنرالات على الإسراع بالقرار وهذا يبقى سرياً جداً كما كل شيء في السلطة رغم التسريبات التي تعطى للإعلام من هنا وهناك من أوساط السلطة، فالرئيس بوتفليقة عاد من فرنسا ولكن الجميع يعرف انه تعرض لوعكة صحية خطيرة وغير معروف مدى تمكنه من التعافي منها على الأقل لترؤس مجلس الوزراء واتخاذ قرارات حقيقية. وطالما لم يحصل اتفاق ضمن المؤسسة العسكرية على من يخلفه من الأسماء التي تتردد في الأوساط الجزائرية، فيبقى الاحتمال الأكبر أن تبقي المؤسسة العسكرية موعد انتخاب رئيس جديد في الفترة الدستورية، أي في نيسان المقبل. ولكن الجنرالات الذين هم ضد بوتفليقة وعائلته وجماعته قد يريدون إخراجه من القرار لاختيار المرشح لخلافته. فيكون قرار إصدار هذه المذكرة الدولية لتوقيف أصدقائه من ضمن هذا المسعى لقتل أي محاولة لترشيح شخصية قريبة منه أو إعطائه الحق في المشاركة في قرار خلافته. إن مما لا شك فيه أن صدور القرار بينما شكيب خليل في الولاياتالمتحدة، يعني أن القضاء الدولي لن يطاوله، وأن الإجراء الجزائري لن ينفذ. إضافة إلى أن الفساد منتشر في الجزائر على صعيد الدولة منذ عقود. وهذا معروف من الجميع ولو كانت الأمور مختلفة لكان البلد الغني بثروته النفطية والغازية أصبح عامراً وواعداً لشبابه، ولكان الشعب الجزائري استغنى عن التأشيرات للخروج إلى بلدان أخرى بحثاً عن فرص عمل وفرص نجاح. إن البلد جميل وشاسع ومتنوع، ولكنه فشل في استقطاب السياحة والخدمات والاستثمارات اللانفطية. إن مما لا شك فيه الآن أن المؤسسة العسكرية مهتمة بالتوصل إلى اتفاق حول المرشحين المقبولين في نظرها في امتحان الترشح للرئاسة. وتوقيت إصدار هذا القرار القضائي الجزائري قد يكون سياسياً أكثر منه لمحاسبة فساد كثيرين في الجزائر كانت تجب محاسبتهم.