لم يقع وقع المفاجأة اعتذار الرئيس الأميركي عن عدم حضور القمة الثنائية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، فتفادى الإحراج الذي كان يتمناه له الأخير. وموعد القمة سيلي منح موسكو سنودن حق اللجوء وتجاهلها طلب اوباما شخصياً الإحجام عن ذلك. ويشوب العلاقات الروسية - الأميركية «هبوط» أو «فتور» كل بضع سنوات. والأفدح هو معاداة الكرملين الرئيس الأميركي الأكثر إيجابيةً في مقاربة العلاقات الروسيّة- الأميركيّة، وتدخّل أوباما شخصياً من أجل قبول روسيا عضواً في منظمة التجارة الدوليّة، وحمل الكونغرس على إلغاء قانون جاكسون - فانيك التمييزي إزاء روسيا والموروث من حقبة الحرب الباردة. رأى الكرملين الخطوات الأميركية الإيجابية علامات ضعف، ولكن يبدو أن أميركا سئمت شد الحبال مع موسكو، لذا اعتذر البيت الأبيض عن عدم حضور القمة، وسوّغ موقفه بجمود المحادثات الثنائية منذ سنة في عدد من المجالات، على غرار الحد من انتشار الأسلحة الاستراتيجية، ومنظومة الدرع الصاروخية، والعلاقات التجارية، والأحداث الدوليّة وأوضاع حقوق الإنسان. والحال أن الاتفاق في معظم هذه المجالات كان ممكناً، في وقت دار كلام واشنطن على «ضمانات رئاسيّة» في موضوع الدرع، وهذه ثبت أنها ليست مصدر خطر على الترسانة النووية لروسيا. وكانت في المتناول مناقشة اقتراح أوباما خفض الترسانة النووية إلى ثلث المستوى المحدد في اتفاق الحد من الأسلحة الاستراتيجيّة المبرم في 2010، خصوصاً أن روسيا ليست معنية بهذا التقليص، لأن ترسانتها لا تبلغ الحدود الواردة في الاتفاق الأول. ولكن يبدو أن هذه المسائل ليست في صدارة اهتمامات الكرملين. والعلاقات الثنائية دخلت في جمود لأن بوتين على يقين من أن واشنطن وراء تظاهرات موسكو عامي 2011-2012، لذا يطالب بضمانات أميركية تكفل وقف هذه الاحتجاجات. لكن مثل هذه الضمانات ليس في يد أوباما. ولا يصدّق بوتين قصر ذات اليد الأميركية في الحوادث الروسية، ويرى انه ضرب من الكذب والاحتيال. ويتوقع أن تواصل موسكو السعي إلى قطع الجسور مع أميركا، فتوقف التعاون في عبور القوات الأميركية الأراضي الروسية في طريقها من أفغانستان وإليها. لكن أميركا أعدت خطة بديلة إذا اقدمت موسكو على مثل هذه الخطوة. وروسيا ستخسر ليس فقط إيرادات مالية، بل كذلك فرصة للتعاون مع واشنطن في آسيا الوسطى بعد انسحاب القوات الأميركيّة المرتقب من أفغانستان. وفي مقدور روسيا الانسحاب من اتفاق الحد من الأسلحة المتوسطة والقصيرة المدى، والمباشرة بإنتاج منظومات متطورة من صواريخ «إسكندر» أو غيرها من الصواريخ الاستراتيجية. لكن هذه الخطوة ستحمل دول «ناتو» على الرد بالمثل. أمّا عرقلة الكرملين السعي الأميركي إلى وقف البرنامجين النوويين في إيران وكوريا الشمالية، فمستهجنة. فهاتان الدولتان هما في جوار روسيا وليستا على أبواب الولاياتالمتحدة، وعواقب البرنامجين ستقع على موسكو. خلاصة القول إن محاولات تمريغ وجه أميركا بالوحل ستبوء بالفشل، وترتد على صاحبها. وهذه السياسات الروسية ستشوّه السمعة الدولية للبلاد. * محلل سياسي، عن موقع «يجيدنفني جورنال» الروسي، 9/8/2013، إعداد علي شرف الدين