حولت التفجيرات المستمرة مدن العراق الى ساحة حرب مفتوحة بين تنظيم «القاعدة» الذي تبنى تفجيرات العيد المروعة وقوات الأمن، تقابلها حرب سياسية باردة كرست القطيعة بين الاطراف الرئيسية، وأدت إلى انسداد الأفق أمام حل سريع. وتبنى تنظيم «القاعدة» الذي يوقع بياناته باسم «دولة العراق والشام الإسلامية» عمليات العيد التي خلفت مئات القتلى والجرحى في بغداد وذي قار وكركوك، لكن وزارة الداخلية قدرت عدد الضحايا بأقل من ذلك، معلنة أن «هدف تضخيمها إضعاف الروح المعنوية للأهالي»، واعترفت بأن الحصيلة النهائية للتفجيرات نحو 136 قتيلاً وجريحاً. ومع تكرار الهجمات الدامية واتخاذها منحاً تصاعدياً، تكررت بيانات الادانة المحلية والدولية، ما دفع الولاياتالمتحدة الاميركية الى عرض 10 ملايين دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال أو قتل زعيم «القاعدة» في العراق ابو بكر البغدادي. وقد أثبت «القاعدة» قدرته على تنفيذ هجمات كبيرة وتفجير عشرات السيارات المفخخة، مخترقاً كل الإجراءات الأمنية والملاحقات، ما يشير إلى أن هناك حاضنة شعبية يحتمي بها وإلى تلقيه دعماً مالياً كبيراً. وقد خلفت الازمة التي انطلقت بقوة منذ سقوط النظام السابق انقساماً سياسياً حاداً في العراق تحول تدريجاً الى انقسام اجتماعي، وتطور الى تنظيم المدن السنية تظاهرات كبيرة، ترفع شعار «مظلومية السنة» وتطالب ضمناً باعادة صوغ معادلة الحكم. وتصدر رئيس الوزراء نوري المالكي واجهة الازمة منذ بدايتها، وفتح جبهات مواجهة سياسية مع السنة والاكراد ومع شركائه الشيعة، وأصر على السعي إلى الترشح لولاية ثالثة. ويتهمه خصومه بالتفرد في القرار الامني والسياسي، وبأنه تحول الى جزء من الأزمة، وبدت كل الطرق مغلقة أمام أي حل يمر من خلاله، سواء عبر معادلة عراقية، او في نطاق معادلات اقليمية اكثر تعقيداً. خصوم المالكي الذين يخوضون حرباً سياسية باردة ضده ينتظرون ان يغرق وحكومته في الاخطاء الامنية والفشل في الادارة، لينعكس ذلك على وزنه الانتخابي عام 2014. وتستفيد الجماعات المسلحة من هذه الحرب لتشن هجماتها القاتلة في المدن والأرياف من دون خوف. وتذهب الاوساط السياسية الرئيسية في العراق الى ان حل الازمة الامنية يجب ان ينطلق من لقاء كل الفعاليات السياسية والمذهبية ليقرروا شكل وآليات الحكم التي يمكن ان تنقذ الوضع المتدهور، من خلال التوافق على عقد اجتماعي جديد، لكن هذه الاوساط لا تتوقع حصول مثل هذا الاجتماع، وتعتقد بأن تنحي المالكي، او على الأقل تخليه عن فكرة الولاية الثالثة، سيسمح بفتح الأفق أمام تسوية ما. ولكن كلما طال أمد الأزمة كلما اهترأ الوضع وأصبح لجم «القاعدة» أو وقف هجماته أكثر صعوبة، بقي المالكي أو لم يبق، فالتنظيم يستفيد من الأزمة السياسية غير أنه ليس معنياً بها. وقد أثبت أنه قادر على التكيف مع التحولات.