تنبه مجلس الوزراء أخيراً لفساد القطاع الخاص عندنا. وناقش في جلسته في مستهل رمضان، ظاهرة ارتفاع أسعار السلع والخدمات في المملكة مقارنة بالدول المجاورة. كما اعتمد المجلس في الجلسة التالية مباشرة، مشروع نظام المنافسة «المعدل»، ومشروع استراتيجية تعزيز المنافسة في المملكة، وتضمن التعديل إعادة تسمية المجلس، وتشكيلة مسؤوليه وصلاحياته. ما ناقشه المجلس وقرّره في جلستيه المشار إليهما هو اعتراف ضمني من الحكومة بانتشار الفساد في القطاع الخاص، وضرورة كبحه، لاسيما أن فساد القطاع الخاص يقع أثره السيئ مباشرة على المواطن، لأنه يتعلق بسلع وخدمات تقدم له مباشرة. طبعاً، فساد القطاع الخاص لدينا واضح ومكشوف، وفارق الأسعار بيننا وبين جيراننا في الخليج شاهد عدل وصدق على ذلك. وللتذكير فقد أشرت في مقالة «سعودي يحج من الكويت» إلى ارتفاع كلفة الحج والعمرة عندنا، ودفعنا لضعف ما يدفعه الأشقاء في الخليج لاستقدام «الشغالات». وقامت «الحياة» بعدها بمقارنة بين ما يدفعه المواطن السعودي لاستئجار غرفة بفندق في جدة مع مثيلتها في دبي والكويت وقطر، وكانت بكل المقاييس جدة أغلى من مدن الخليج الثلاث، وهو التحقيق الذي استندت إليه في مقالة «الأسعار في السعودية أغلى من الخليج». ارتفاع الأسعار عندنا مقارنة بجيراننا في الخليج يعود إلى أمرين، أولهما غياب الرقابة والمحاسبة، وثانيهما الاحتكار، سواء كان احتكاراً صريحاً، من خلال وقف الترخيص على تاجر أو محتكر واحد، أم ضمنياً كاحتكار القلة، وهو السائد في سوق الألبان، والطيران، والاتصالات، والنقل الجماعي، وغيرها، على رغم أن السوق في حال احتكار القلة تبدو منافسة للوهلة الأولى. وللمثال على فساد القطاع الخاص، فإن ما يدفعه المستهلك السعودي لدقيقة الاتصال يبلغ 35 هللة في مقابل متوسط عالمي لا يتجاوز 7 هللات، كما أن منتجات شركة ألبان سعودية كبرى تباع عندنا وفي الخليج بالسعر نفسه تقريباً، على رغم أن مشاريعها قائمة هنا على دعم الحكومة للمشروع وللأعلاف وللعمالة السعودية، إضافة إلى كبر حجم استهلاك الشركة للمياه، وهي المورد الذي نواجه فيه شحاً كبيراً، ولكي تكون الأمور عادلة، فيجب أن يباع إنتاجها عندنا بنصف ما يباع به خارج المملكة. ولكن الاحتكار، وعدم المساءلة، والمراقبة، كل ذلك جعلنا لا نستفيد شيئاً، على رغم كبر حجم الدعم الحكومي بكل أشكاله، والذي يقدم لهذه الشركة مثيلاتها. هذا الأسبوع أيضاً، علمت أن الأسمنت والحديد يباعان في دول الخليج المجاورة بأقل من سعرهما عندنا، وهذا دليل على الاحتكار، وعدم مساءلة التجار، لماذا؟ وأين تذهب مبالغ الدعم؟ ولماذا لا يلتزم المنتجون بالتسعيرة التي وضعتها الحكومة؟ علماً بأن التسعيرة تعطي هامشاً معقولاً لربح هؤلاء التجار. عموماً، كل الشكر للمجلس الاقتصادي الأعلى الذي أوصل أمر ارتفاع الأسعار عندنا لمجلس الوزراء لمناقشتها، وكل الأمنيات لمجلس المنافسة الذي أعيد تشكيله وتفعيله بالتوفيق. ولعل رئاسة وزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق الربيعة، الذي ينال ثقة الجميع، تجعل المواطن يعلق آمالاً كبيرة على جهود المجلس لإيقاف الفساد والاحتكار في القطاع الخاص. وبالتأكيد لا يُعفى المواطن من لعب دوره المهم في مكافحة الفساد والغش والتلاعب بالسوق، وايصال صوته للمسؤول، خصوصاً أن قرار مجلس الوزراء المتعلق بحماية المنافسة نص على أن يقوم المجلس ب«اتخاذ إجراءات التقصي والبحث وجمع الاستدلالات للكشف عن الممارسات المخلة بقواعد المنافسة، سواء أكان ذلك بناءً على شكوى أم بمبادرة من المجلس». كما نصت الفقرة الأخيرة في القرار على «نشر ثقافة المنافسة وتعريف المجتمع بالحقوق التي كفلها نظام المنافسة وإيجاد قناة تفاعلية عبر شبكة الإنترنت بينه وبين المجتمع». ونرجو من أمانة المجلس وإدارته البدء بالتفاعل مع المواطن حالاً، وما لم يتم إشراك المواطن، فلن ينجح عمل المجلس بالتأكيد. وكل عام والجميع بخير وصحة وسلامة. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية. @dr_ibnrubbian