من المعلوم جيداً إنّ الإمبريالية الأميركية تملك أربع مصالح ثابتة في منطقة الشرق الأوسط هي أمن دولة إسرائيل، والوصول إلى النفط، بما في ذلك التحالف مع الدول التي تنتج النفط، فضلاً عن تقويض الجهود الإيرانية الرامية إلى إنتاج أسلحة نووية. ويعتبر الدعم الذي يتمّ تقديمه إلى أي نظام موجود في السلطة في القاهرة مصلحة خامسة لجهة ارتباطه بالمصالح الأربع السابقة، مع العلم أنّ المطلوب من مصر هو أن لا تشكل أي خطر على إسرائيل أو على الدول العربية المجاورة لها مقابل الحصول على مساعدة عسكرية أميركية كبيرة وغير فتاكة, وهذه المساعدة، على رغم كونها مثيرة للاهتمام، لا تؤثّر على ميزان القوى العسكرية الحقيقي في منطقة الشرق الأوسط. لنأخذ مثال الطائرات المقاتلة من طراز «أف 16» المصنوعة في أميركا والتي تسلمت مصر ثمانية منها وتنتظر الحصول على مزيد من هذه الطائرات قريباً. ويعدّ القرار الذي اتخذه الجنرالات في مصر بإرسال هذه الطائرة المتطوّرة للتحليق فوق القاهرة بعد أن رُفعت عليها الأعلام المصرية والأشرطة لإثبات أنّ الجيش مستعد للإطاحة بالرئيس مرسي في إطار خطوة رفض الأميركيون اعتبارها انقلاباً، مثالاً جيداً على طبيعة علاقة تفيد كافة حلفاء أميركا في الشرق الأوسط بما فيهم إسرائيل فضلاً عن المؤسسة الصناعية - العسكرية في الولاياتالمتحدة. وليس هناك هدف عسكري محدد لاستخدام مقاتلات «أف 16» في الأجواء المصرية، فهذه الطائرات تستخدم في هجمات وغارات سريعة ولا تستطيع التحليق في الفضاء لفترة طويلة وكافية تخوّلها القيام بمهمات الاستطلاع الدائم في الجو فوق الحدود المصرية. كما لا يمكن صيانتها من دون الاستعانة بالمساعدة التقنية الأميركية. لكن، حين تحتاج مصر لشراء طائرات من موازنتها الخاصة وليس من المال الذي تحصل عليه من المساعدة الأميركية، يفضّل كبار الضباط المصريين شراء طائرات بديلة أرخص وغير أميركية مثل الطائرات المخصصة للتدريب التي ابتكرتها الصين وباكستان. ونصل هنا إلى مسألة بيع الدبابات الأميركية من طراز «أم آي». وتعتبر هذه الدبابات مكلفة جداً شأنها شأن مقاتلات «أف 16»، كما أنّها تتميّز بقوتها وفاعليتها ولا تشكل أي خطر على إسرائيل. فضلاً عن ذلك، من السخيف التفكير في إمكان الانطلاق منها من صحراء سيناء باتجاه تل أبيب. إلا أنّ عددها مرجح للارتفاع نتيجة العقد الذي تم توقيعه عام 2011 مع شركة «جنرال دايناميكس» الأميركية للحصول على 125 دبابة إضافية، ما يجعل ترسانة مصر من الدبابات، بحسب أحد المحللين في واشنطن، أكبر من تلك الموجودة في منطقة أميركا اللاتينية ومنطقة الصحراء الأفريقية مجتمعتين. ويعدّ بيع الطائرات والدبابات المميّزة مثالاً جيداً على سياسة أكثر شمولية تعتمدها الولايات المتحدّة لإظهار شراكتها القوية القائمة مع حلفائها الذين اختارتهم في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن ضمان تعاون مستقبلي معهم من خلال عقود الصيانة والمهام التدريبية. لا يعتبر هذا الأمر خبراً ساراً بالنسبة إلى شريحة واسعة من الشعب المصري. إذ أنّ حيازة أسلحة غالية الثمن وغير مفيدة بهدف تعزيز سمعة الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي كان ضابطاً في سلاح الطيران وسمعة الفريق أول عبدالفتاح السيسي اليوم، هي طريقة مكلفة لإثبات أنّ أميركا ليست مهتمة بشكل خاص بما يمكن تسميته بالديموقراطية المصرية. كما أنها لا تساهم في تعزيز شفافية المؤسسة الصناعية - العسكرية السرية في مصر، وهي مؤسسة لا يتم إدراج تكاليفها في الميزانية فحسب بل هي تستنزف حصة كبيرة من الموارد الوطنية بما فيها اليد العاملة الكفوءة إلى جانب أنها تجعل بيع المشاريع الأخرى التابعة للدولة مسألة عقائدية يصعب على الوزارات المدنية متابعتها. ويمكن التفكير هنا بحجتين متناقضتين، الأولى قوية والثانية أقل قوة. تقول الحجة الأولى أنه نظراً إلى التأثير الكبير الذي تملكه إدارة الرئيس أوباما على الجيش المصري، استخدمت في بعض المناسبات صوتها من أجل ثني هذا الجيش عن اتخاذ إجراءات مضادة قاسية ضد التظاهرات الشعبية لا سيما في الأيام الأولى من اندلاع الثورة في ميدان التحرير في شهر كانون الثاني (يناير) 2011. ولا شك في أنّ هذا الوضع لا يزال قائماً حالياً. أما الحجة الثانية فتفيد أنّ الأمور باتت أفضل بقليل مما كانت عليه في السابق حين كان الاتحاد السوفياتي هو المزوّد الأساسي لمصر من الأسلحة والمعدات العسكرية، مع العلم أنّه تمكّن من السيطرة على طريقة استخدامها أكثر من الأميركيين اليوم. ومن المعلوم أنّ ذلك ساهم في بروز امتعاض كبير في صفوف ضباط الجيش من أصحاب المشاعر القومية، ما دفع الرئيس السادات إلى طرد المستشارين السوفيات عام 1971، معتبراً أنهم تسببوا بالهجوم المفاجئ الذي شنه الجيش على القوات الإسرائيلية المنتشرة على طول الحدود الشرقية لقناة السويس. لكن، ثمة تحذير على هذا الصعيد أيضاً. فلا شكّ في أنه يمكن القول، في ظلّ غياب أي دليل قاطع على أنّ الامتعاض نفسه الذي شعر به البعض حيال المستشارين السوفيات موجود في صفوف ضباط الصف المتوسّط حيال ما يعتبرونه خرقاً للسيادة المصرية. وقد يذهب البعض أبعد من ذلك إلى حدّ اعتباره مثالاً على مؤامرة أميركية-صهيونية، مع العلم أنني لا أحبّ استخدام هذه العبارة لأنها تشير إلى حالة من الذعر. لكن في هذه الحالة على الأقل، تكشف هذه العبارة عن جوهر المسألة، حيث يتمّ إخضاع المصالح الوطنية في مصر لمصالح الولايات المتحدّة وإسرائيل. ومن الوضح أنّ هذا الوضع بات جزءاً من الحوار السياسي الجديد في مصر. لكن في الوقت الحالي، يغيب التوازن بين الأطراف، إذ إن الجيش هو الذي يتولى إدارة دفة الأمور بعد أن أصبح خصومه من جماعة «الإخوان المسلمين» ملاحقين. ثمة وقائع أساسية لا يمكن تفاديها لوقت طويل. فنظراً إلى الوضع الاقتصادي المتردي في مصر والحاجة إلى إعادة نظر شاملة في تكاليف المشاريع الصناعية التي تنفق عليها الدولة والحاجة الملحة إلى الاستثمارات الأجنبية لتحيرك عجلة الإنتاج والحاجة إلى استخدام بلايين الجنيهات لإجراء إصلاح شامل لنظام التعليم من المرحلة الأساسية إلى الجامعة، فان من الضروري استخدام المنطق ووضع حدّ للمصاريف غير المجدية على رموز قوة عسكرية غير موجودة. ختاماً، ما الذي يجدر بالجيش المصري فعله؟ يجدر به برأيي مراقبة الحدود ومنع استخدام البلد كممر للمخدرات والأسلحة وحتى المقاتلين الجهاديين الذين يتنقلون من الشرق إلى الغرب عبر المناطق الصحراوية في شمال أفريقيا. * أكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد