بلغت الخلافات الداخلية لدى جماعة «الإخوان المسلمين» الأردنية أشُدها من جديد، إثر تصريحات تصعيدية ضد مؤسسات الحكم أطلقتها شخصيات محسوبة على تيار الصقور المسيطر على مقاليد حكم الجماعة، في حين دعت شخصيات محسوبة على تيار الحمائم إلى التخلص مما وصفتها ب»العناصر التأزيمية» داخل التنظيم القوي، فيما اعتبرت أخرى أن تصريحات بعض قادة الإخوان «لا قيمة لها». ولاحت نذر الخلاف في الأفق خلال الأيام الماضية بعد قيام أمين عام حزب «جبهة العمل الإسلامي» الذراع السياسية ل»الإخوان» حمزة منصور بإرسال برقيات تهدئة إلى النظام في خصوص الملف المصري قرئت من قبل دوائر القرار على نحو إيجابي، خلافاً للبرقيات الساخنة التي قدمها مراقب الجماعة (الصقوري) همام سعيد وحليفه القوي زكي بني أرشيد، صاحب النفوذ الواسع لدى الإخوان، الذي لم يتردد في اتهام أركان الدولة بدعم «الانقلاب العسكري» على الرئيس المصري محمد مرسي، القادم من رحم الجماعة الأم، في الثالث من تموز (يوليو) الماضي. وكان بعض النخب السياسية الأردنية المحسوبة على الدولة راقب خلال الأشهر الماضية بعين القلق والخوف المكاسب التي حققتها أحزاب إسلامية في تونس ومصر وليبيا، ونظر إلى صعودها مقدمة لتمكين الأردنيين الإسلاميين في المستقبل. وصعد الخلاف مجدداً داخل الجماعة التي تحشد أنصارها من خلال المساجد بعد إعلان القيادي الحمائمي البارز نبيل الكوفحي، نجل القيادي التاريخي في الجماعة أحمد الكوفحي، ترشحه للانتخابات المحلية المقررة نهاية الشهر الجاري، على رغم إعلان «الإخوان» مقاطعتهم لها. لكن الكوفحي عاد ليعلن خلال الساعات الماضية، وعلى نحو مفاجئ، عدوله عن الترشح لأسباب قال إنها «صحية»، في حين علم أن تراجعه جاء بعد أن قرر قادة التيار المتشدد إخضاعه إلى محاكمة داخلية تضمن إطاحته من تنظيم الجماعة القوي. وكان لافتاً أمس ما قيل إنها رؤية قدمها أحد أبرز قادة الحمائم رحيل غرايبة، في شأن الملف المصري، ودعوته إلى استلهام الدروس والعبر من «الإخوان» المصريين، قائلاً إن على الجماعة الأردنية «تطوير خطابها، وتغيير آليات عملها، ومعالجة أخطائها، والتخلص من عناصر التأزيم وإبعادهم عن مواقع القيادة، من أجل امتلاك القدرة على حيازة ثقة مجتمعاتهم بكل مكوناتها». وجاءت هذه التصريحات على خلاف تصريحات أخرى كان أطلقها زعيم الجماعة سعيد، وقال فيها إن «الإخوان» الأردنيين «لا يحتاجون إلى مراجعة رؤيتهم السياسية في ضوء مجريات الأحداث التي تشهدها مصر والانقلاب على الرئيس مرسي». واللافت أن تصريحات مستفزة لتيار الصقور طرحها أمس أيضاً أحد القيادات التاريخية في الجماعة عبد اللطيف عربيات، وهو شخصية مرموقة قريبة من مؤسسة القصر، جاءت لتزيد نار الخلاف أواراً، قائلاً إن تصريحات صدرت عن بعض القيادات الإخوانية في خصوص الشأن المصري «لا تعدو سوى تصريحات فردية ولا تعبر عن مؤسسية الحركة الإسلامية وقواعدها»، لافتاً إلى أن «لا جديد لدى الإخوان. وأن سياستهم تتمثل في إصلاح النظام وليس تغييره. أما التأييد لإخوان مصر، فهو تأييد معنوي»، مشيراً إلى أن «بعض التصريحات التي صدرت لا قيمة لها». ولوحت الحكومة الأردنية الأسبوع الماضي بإحالة ملف «تجاوزات» الجماعة على القضاء. ويرى خبراء في شؤون الحركة الإسلامية أن إنهاء الخلاف لدى جماعة «الإخوان» مرتبط بأحد سيناريوهين: إما أن تلجأ مؤسسات «الإخوان» الشوروية إلى هيكلة القيادة من جديد، أو إزاحة أخرى إلى الخارج، في إشارة إلى بعض قيادات الحمائم، التي أججت حال الصراع خلال الأشهر الماضية، بإعلانها مبادرة سياسية سميت «زمزم»، سعت إلى الاقتراب من السلطة والمشاركة في الانتخابات النيابية والمحلية، إضافة إلى احترام «هيبة الدولة». وشهدت جماعة «الإخوان» في الأردن أزمات داخلية عديدة أبرزها عام 1997، عندما قدمت قيادات بارزة استقالاتها من الجماعة احتجاجا على قرار مقاطعة الانتخابات النيابية. وفي عام 2007 أعلنت قيادة الجماعة حل نفسها إثر خسارة فادحة منيت بها في الانتخابات، بينما شهدت أيضاً خلافات حادة في الأعوام 2009 و2010 على خلفية قضايا تنظيمية بينها مطالبات بفصل ما عرف بالمكاتب الإدارية الخارجية المرتبطة بعلاقة تنظيمية بين «الإخوان» الأردنيين وحركة «حماس» الفلسطينية.