في طريقنا المؤدي لمحافظة خليص أمس، لا تبدو للمنطقة أي ملامح من بعيد ولا من قريب أيضاً، فالطريق المؤدي إلى جدة يُشعرك أنه ثمة هجرة قسرية تتثاقلها عجلات السيارات الممتلئة بالعوائل. وعلى جنباته العديد من سيارات نقل المعتمرين المتوقفة نتيجة إنتهاء البنزين الذي تعجز أن توفره المحطات حيث كل شيء يعاني شللاً تاماً يعود لانقطاع التيار. كانت حركة المرور نشطة جدًا داخل المحافظة، إذ فرّ الكل إلى السيارات كملجأ بارد ولشحن هواتفهم بعد أن مضى نصف يوم عليهم وهم يستخدمون «فلاش» الكاميرا لإضاءة المكان. ولكن هذا الحل لم يدم طويلًا، إذ لابد من أن ينتهي وقود السيارة. فطر الأهالي في باحات منازلهم بحثاً عن نسمة هواء وضوء مصدره قمر في أيامه الأخيرة «كعوسج حزين». لم يكن الأذان هذه المرة دليل الصائمين للإفطار بل أفطروا على توقيت الليلة الماضية. ومضى وقت الإفطار وصلاة العشاء والتراويح والتهجد دون أن تسمع للمآذن نفحاتها الإيمانية. أغلقت غالبية المرافق الخدمية والتجارية أبوابها مجبرة متكبدة خسائر كبيرة، إذ تلف الكثير من البضائع في الثلاجات، وأكد باعة هذه المحال أن تردد الأهالي عليها أيقظ سُبات ثلاث بضائع «الكشّاف، الشموع، المروحة اليدوية» والتي كانت منسية طوال العام. وكلما تقدم الوقت بدت خليص شاحبة حيث انقطع الماء عن كثير من البيوت، وفاحت من الثلاجات رائحة تعفن الطعام، وخفتت أصوات الناس. وبدت كمرتع كبير للسارقين، إذ نادراً جداً ما نجد دوريات أمنية. عانى الكثيرون منهم عدم توافر أساسيات العيش فغادر المقتدرون منهم متجهين للشقق المفروشة في جدة ورابغ التي زادت أسعارها كثيراً حسب ما ردده الأهالي في هاشتاق «كارثة كهرباء خليص». بينما لجأ الرجال منهم إلى بعض المساجد المضاءة من الداخل بإضاءات مشحونة، وبعضهم إلى قاعات الأفراح المزودة بمولدات خاصة بها. ولم تحتمل بعض الحالات المرضية الموجودة في مستشفى خليص البقاء أكثر من نصف يوم، إذ تم إرسال بعض المرضى إلى جدةومكة. أنشأ شباب خليص على تويتر هاشتاق «وقفة شباب خليص» والذي يهدف لحصر عدد الأسر الموجودة في منازلها وتوفير الحاجات الضرورية لها، طالب من خلاله فيصل المغربي شباب خليص بأن يتشكلوا في مجموعات لحماية الممتلكات العامة والخاصة. وقال أيضًا: «حالياً أمامي في مستشفى خليص عدد من الحالات المرضية التي تحتاج لنقلها إلى جدة في اقرب وقت، الإمكانات لا تكفي». وأعادت السعودية للكهرباء الخدمة لمحافظتي خليص والكامل التابعتان لمنطقة مكةالمكرمة بعد تشغيل خط نقل «مؤقت» هذا الصباح، بينما مازالت بعض المراكز الأخرى والقرى والهجر تواصل مشكلتها، معتذرة لأهالي خليص عبر حسابها الرسمي على «تويتر»، والذي صرحت من خلاله أن المحطتين تعرضتا لعطل داخلي مؤثر يتطلب إصلاحه وقتاً طويلاً. تقع خليص على خط الهجرة القديم ولها أهمية تاريخية وبها الكثير من آثار هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، يتجاوز عدد سكانها مئة ألف نسمة، وتمت الموافقة عليها العام الماضي على انتقالها من محافظة فئة «ب» إلى «أ».