دخل لبنان مرحلة جديدة أمس بالمواقف التي أعلنها رئيس الجمهورية ميشال سليمان في شأن «ازدواجية السلاح الشرعي وغير الشرعي بعد التعديل على وظيفة سلاح المقاومة الذي تخطى الحدود اللبنانية»، وطرحه إمكان تأليف حكومة حيادية، وردود الفعل عليه ولا سيما إطلاق صواريخ على محيط القصر الرئاسي ليل أول من أمس، والذي قابله سليمان معتبراً أن «تكرار الرسائل الصاروخية لن يغير في الثوابت الوطنية والقناعات لتجنيب البلاد انعكاسات ما يحصل حولنا من خلال العودة الى التزام اعلان بعبدا». وفيما بدا أن مواقف سليمان وإطلاق الصواريخ على منطقة اليرزة، أرست سقفاً سياسياً يصعب على أي فريق لبناني أو خارجي تجاهله، حدد كل من الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله وزعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري سقف موقفه في خطابين مهمين. فالأول غلب عليه الطابع «الشيعي» كما قال هو بنفسه والتعبوي بظهوره المباشر أمام الجمهور في ضاحية بيروت الجنوبية بدل الشاشة، والثاني رد فيه بكلام صريح هو الآخر على دعوة نصرالله السابقة الى الحوار، معتبراً إياها للاستهلاك، مبدياً الاستعداد لتلبية دعوة سليمان الى هذا الحوار في «أي وقت». وكان إطلاق صاروخين على منطقة اليرزة ليل أول من أمس، بعد ساعات قليلة على خطاب الرئيس سليمان، شغل الأوساط الأمنية والسياسية، باعتباره رسالة الى الأخير رداً على هذا الخطاب، فلقي ردود فعل شاجبة واسعة، ما دفع شخصية معارضة لرئيس الجمهورية مثل زعيم «تكتل التغيير والإصلاح النيابي» العماد ميشال عون الى القول إن «رسالة الصواريخ محددة وسليمان لا يخاطب بهذا الأسلوب. أنا معارض له لكن لا يجب القصف على القصر الجمهوري ولا على أي رمز وطني». ورأى الرئيس السابق أمين أن خطاب سليمان يعبر عن تطلعات الأكثرية الساحقة من اللبنانيين. فيما وجد رئيس الحكومة المكلف تمام سلام إن اطلاق الصواريخ عمل خطير ومشبوه،واعتبر رئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة أن «الصواريخ لن تنال من عزيمة اللبنانيين وأن الرئيس سليمان أثبت أنه يدافع بصدق وشرف عن سيادة لبنان». وتميز موقف رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط بطرح السؤال عما إذا كانت مواقف سليمان جريمة، بما فيها «المناداة بحكومة حيادية» (وهي المرة الأولى الذي يظهر جنبلاط ايجابية حيال هذا الخيار). وقال جنبلاط: «يبدو أن بعض السلاح المتفلت غب الطلب والإعلام الرخيص لا يحتملان ملاحظات خارجة عن مألوفهما... ويبدو أن علينا ان نتوقع المزيد من الصواريخ والهدايا المفخخة بعد حمص». أما «حزب الله» فاستنكر إطلاق الصواريخ مشدداً على سعيها للنيل من المؤسسة العسكرية، متهماً الأيدي الإرهابية بها. وأطل الحريري ليل أمس من على شاشة كبيرة لمخاطبة مآدب إفطار متعددة في الشمال والبقاع والجنوب وجبل لبنان وبيروت مبرراً غيابه ب «التزام الحيطة والحذر»، معتبراً ان الصواريخ التي استهدفت محيط القصر الجمهوري ووزارة الدفاع «رسالة ارهابية هدفها النيل من رموز الدولة وإطاحة إعلان بعبدا». وأيد مقاربة سليمان لمسألة السلاح غير الشرعي «أياً كانت هويته، من سلاح الجهاد باسم المقاومة الى السلاح الذي يعلن الجهاد باسم الدين». واعتبر ان هذا السلاح أنتج دولة مع وقف التنفيذ، تتمتع بكل صفات العجز الأمني والسياسي والدستوري. وشدد الحريري على أننا «لا نهوى مناصبة حزب الله أو أي طرف لبناني العداء»، واعتبر ما أعلنه الرئيس سليمان في هذا الإطار في عيد الجيش «موقفاً مسؤولاً ومتقدماً»، داعياً الى اخراج «الجيش من زواريب الطوائف والمذاهب» و «تسليمه والقوى الأمنية راية الدفاع عن لبنان وصون الوحدة الوطنية». وتحدث عن «دعوات لعودة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة» فأكد أن «هناك رئيساً مكلفاً حائزاً ثقتنا هو الرئيس تمام سلام وهو أهل لقيادة حكومة جديدة، ومن يريد أن يساعد على تشكيل الحكومة عليه أن يتعاون مع الرئيس سلام... نحن مستعدون للتضحية بألا نشارك في الحكومة»، داعياً «حزب الله» الى تضحية مماثلة «فلا يشارك في الحكومة». وكان نصرالله فاجأ المحتشدين في أحد المجمعات في الضاحية الجنوبية. واستهل كلمته مؤكداً ان فلسطين «هي كل فلسطين، من النهر الى البحر، ويجب أن تعود كاملة الى أهلها وأصحابها الحقيقيين ولا يمكن أحداً في هذا العالم... أن يتخلى عن حبة رمل واحدة، أو قطرة من مائها أو نفطها، أو قطعة من أرضها، ولا يملك أحد تفويضاً بذلك...». واستعاد وصف الخميني اسرائيل ب «الغدة السرطانية» ليعلن ان الحل الوحيد لهذا الوجود الذي من طبيعته ان ينتشر ويفتك، هو استئصاله وعدم الاستسلام له، معتبراً ان اسرائيل تشكل خطراً وجودياً، ليس على الفلسطينيين وحدهم، بل على جميع شعوب المنطقة. وقال «إن زوال هذه الغدة السرطانية هو مصلحة فلسطينية وهو مصلحة عربية وإسلامية... اخترعوا عدواً جديداً سموه الخطر الإيراني والمد الإيراني والمجوسي والفارسي، ولم يكونوا يقولون شيعة في البداية، وتم خوض حرب ضد الجمهورية الإيرانية انفقت فيها مئات بلايين الدولارات لو أنفق خمسها في فلسطين لتحررت... انتهى هذا، وبدأ أمر آخر قالوا انه المد الشيعي، وأنه أخطر من اسرائيل على الأمة، وعلى الفضائيات المملوكة خليجياً، ومن على المنابر، ركّبوا عدواً جديداً، وذهبوا الى بعض الصراعات السياسية المحلية ليلبسوها لبوساً مذهبياً». واعتبر ان «كل من يرعى الجماعات والتيارات التكفيرية على امتداد العالم الإسلامي فكرياً ومالياً وإعلامياً وتسليحياً ويدفع بهم الى ساحات القتال والقتل هو الذي يتحمل كل المصائب والدمار الحاصل ويقدم أكبر خدمة لإسرائيل وأميركا في المنطقة». ودعا الى بذل الجهود لحل المسائل في كل بلد بالحوار السياسي ووقف نزيف الدم. وإذ حذر نصرالله من خطابات ومواقف تضع عداوات جديدة بين الطوائف، خصوصاً بين السنّة والشيعة، وبين العرب والفرس، وبين القوميين والإسلاميين، جدد الدعوة الى تنظيم الخلافات التي باتت «مدمرة»، معتبراً أن هذه مسؤولية الحكماء وداعياً الى تضافر الجهود لإلحاق الهزيمة بالمشروع «التخريبي التمزيقي». وخاطب الحشد: «اسمحوا لي هذه المرة أن أحكي شيعي. في هذه الأيام هناك الكثير من التحريض المذهبي، ومما يقال في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي من الألفاظ التي لا يليق أن يتلفظ بها إنسان تجاه الشيعة، وهذا مقصود، ومن يقف وراء هذا الامر يعرف ماذا يفعل، وهو قد يأتي ببعض الشيعة ومنهم شيوخ ليفعلوا الأمر نفسه وينالوا من رموز السنّة. والجهة نفسها تقف وراء الجماعتين. وهذا الأمر يتعدى ذلك الى السيارات المفخخة والقتل في العراق بشكل خاص، وهذه اللغة بدأت تكبر مع أحداث سورية، ومن يقف وراء هذا الأمر هدفه ان ننسى، نحن الشيعة فلسطين، وتصبح لدينا كراهية لفلسطين والفلسطينيين والمطلوب ان يخرج الشيعة من معادلة الصراع، وعندما يخرجون تخرج ايران. وهم يريدون أن نصل الى هذه النتيجة». وتابع: «نقول لكل هؤلاء، أميركا واسرائيل والانكليز... وأدواتهم من دول اقليمية في منطقتنا، لكل عدو وصديق، نحن شيعة علي بن أبي طالب، لن نتخلى عن فلسطين، ولا عن شعب فلسطين... قولوا رافضة، قولوا إرهابيين قولوا مجرمين، قولوا ما شئتم واقتلونا تحت كل حجر وفي كل جبهة وعلى باب كل حسينية ومسجد،... نحن شيعة علي، لن نترك فلسطين. وأقول لكل العالم: نحن حزب الله، سنتحمل مسؤولياتنا بمقدار ما يقع علينا من مسؤوليات، ونحن الحزب الإسلامي الشيعي الإمامي الإثني عشري لن نتخلى عن فلسطين والقدس ومقدسات هذه الأمة».