هبط الانفراج فجأة على الأجواء السياسية والإعلامية في لبنان، بقدرة قادر أمس، بعد أسبوعين من الأحداث الدامية والتشنج والتوتر في الخطاب السياسي الذي كان رفع منسوب القلق والمخاوف، وأدى الإفراج عن المخطوفين اللبنانيين ال11 في سورية، والذين خطفوا الثلثاء الماضي في طريق عودتهم من زيارة الأماكن المقدسة الشيعية في إيران، بعد جهود حثيثة شارك فيها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الى موجة من التصريحات والمواقف التي دعت الى التلاقي والحوار بين الفرقاء المختلفين. وإذ عمت الضاحية الجنوبية من بيروت حال احتفالية، لإطلاق المخطوفين، فإن الحدث تزامن مع الاحتفال بالذكرى الثانية عشرة «للتحرير والمقاومة» بانكفاء الاحتلال الإسرائيلي عن الجنوب في 25 أيار (مايو) عام 2000، وغداة إعلان رئيس الجمهورية ميشال سليمان أنه سيدعو أقطاب طاولة الحوار الوطني الى الاجتماع في الأسبوع الثاني من الشهر المقبل، بعدما كانت «قوى 14 آذار» اعتبرت أن تشكيل حكومة إنقاذية حيادية يمثل «الخطوة الأولى الإلزامية لإطلاق الحوار الوطني». وشكر أهالي المخطوفين والكثير من القيادات والنواب جهود رئيس المجلس النيابي نبيه بري والأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله والرئيس الحريري الذي كان أبلغ بري في اتصال هاتفي بعيد الثالثة بعد الظهر ان المخطوفين باتوا على الأراضي التركية وأنه سيرسل طائرته الخاصة لنقلهم الى لبنان. وسبقت ذلك زيارة قام بها رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة على رأس وفد من كتلة «المستقبل» لمنطقة عكار لمواساة أهالي ومناصري الشيخين اللذين قتلا الأحد الماضي على حاجز للجيش، فأكد «اننا لن نستدرج الى صدام مع الدولة والجيش»، وشدد على الاعتدال وعلى طلب العدالة في جريمة مقتلهما. وفيما كانت قوى 14 آذار أكدت إصرارها على شرطها رحيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قبل الحوار، ذكرت هذه المصادر ان دعوة الرئيس سليمان للحوار لن تحرجها و «لن توافق على الحوار كيفما كان»، وتحدثت عن اتصالات ستجري بينها وبين رئيس الجمهورية، وعن إمكان حصول تمهيدات ثنائية لهذا الحوار. وركزت التعليقات التي صدرت عن نواب من كل الاتجاهات على أن وحدة اللبنانيين في مواجهة خطف الحجاج اللبنانيين ونجاح الاتصالات في تحريرهم حافز للحوار، وقال النائب عن «حزب الله» علي عمار الذي شكر القيادات كافة بمن فيها الحريري، على أن «ما تحقق حافز للجميع ليؤمنوا أن لبنان يتسع للجميع، وخص ميقاتي بالشكر الحريري، معتبراً أن «وقفة وطنية واحدة تبدد القلق الذي بدأ يسود نفوس اللبنانيين». وكادت الأجواء الاحتفالية بأخبار الإفراج عن المخطوفين تطغى على المهرجان المركزي للاحتفال بعيد المقاومة والتحرير الذي أقامه «حزب الله» في مدينة بنت جبيل الجنوبية عصراً والذي تحدث فيه السيد نصرالله فبدأ بشكر الرئيس السوري بشار الأسد والسلطات السورية لإعادة النساء اللواتي كن في عداد زوار الأماكن المقدسة واللواتي نجون من الخطف. كما شكر الرؤساء سليمان، بري وميقاتي والحريري. وقال نصرالله: «نحن أمام عيد وطني حقيقي، ولا نرضى أن يحوله أحد الى عيد لطائفة»، لافتاً الى ان «المقاومة هي انجاز وقضية بقرارها وإرادتها وحقها بسلاحها وجهوزيتها». وأضاف: «الإسرائيلي لم يدخل الى لبنان ليخرج منه بل كان لديه مطامع... لكن مسارعة اللبناني الى مقاومة الاحتلال كانت الضربة النوعية وعادت الأرض من دون شروط الى أصحابها وإلى سلطة الدولة وسيادتها». وتابع نصرالله: «اليوم الإسرائيلي لا يجرؤ على الاعتداء على قرانا ومن يحمي هذه المعادلة لا الأممالمتحدة ولا الدول العربية بل الجيش والشعب والمقاومة والجدار هو مؤشر على كل ما قلناه». وأكد أن 25 أيار 2000 (انسحاب إسرائيل) «دق المسامير الأخيرة في نعش إسرائيل الكبرى... واليوم على الحدود هناك أناس لا يرمون حجارة ورصاصاً على الصهاينة بل يتوعدونهم بكل الصواريخ على كل النقاط في فلسطينالمحتلة». ودافع نصرالله عن سلاح المقاومة واستعاد الأحداث الدامية الأخيرة في الشمال وبيروت وقال «حتى قبل أيام عدة من التحرير في 25 أيار لم يحصل اجماع وطني على سلاح المقاومة دائماً كان هناك صراع وانقسام، «قولوا لي عن كل السلاح الآخر وعن انجازاته أكان في 8 أو 14 آذار، الجميع لديه سلاح وكل السلاح غير الموضوع في معادلة الردع ما هو انجازه وما هي قضيته، ورأينا ما حصل في الأيام الأخيرة». ودعا الى التمييز بين معادلة حماية البلد في مواجهة إسرائيل، ومعادلة حماية السلم الأهلي، معتبراً ان «المسؤول عن الأمن في الداخل وعن حماية اللبنانيين والسلم الأهلي هي الدولة فقط من خلال الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الأخرى»، ومؤكداً ان «سلاحنا ليس لحماية طائفة، بل لمواجهة إسرائيل ونحن لسنا بديلاً من السلطة ولسنا مشروع سلطة». ورأى ان «المؤسسة الأهم لحماية السلم الأهلي هي الجيش اللبناني ومعها الأجهزة الأمنية الأخرى وبالعودة الى الحرب الأهلية الكل يخسر والعالم تذبح بعضها بعضاً. واليوم آخر ضمانة يمكن ان تحمي السلم الأهلي هو الجيش اللبناني لذلك يجب أن نحافظ على المؤسسة وأن نحميها ونحمي دورها». وقال ان «الذي وقع في عكار وأدى الى استشهاد الشيخين مؤسف ومحزن ومدان، ولكنه حادث، الجيش يجب أن يصان وأن يحفظ من أجل الجميع والتحريض المذهبي والطائفي يجب أن يتوقف»، وأضاف: «أوقف جهاز الأمن العام مطلوباً في طرابلس فلماذا القتال؟ أين كانت الدولة والجيش والقوى الأمنية في الطريق الجديدة... إذا تصور أحد أنه يستطيع أن يمسك الأرض ويمنع البلد من الانهيار هو خاطئ». وعن الموقوفين الإسلاميين، قال: «قلنا بوجوب الإسراع بمحاكمتهم وإطلاق من تثبت براءته، وهذا موقفي أنا والرئيس نبيه بري، لكن هناك من يخرج ويقول ان الشيعة لا يريدون اطلاقهم. هم مظلومون ولهم سنوات من دون محاكمة». وسأل فرع «المعلومات يعتقل في الجنوب، فهل خرجنا لنقول ان رئيسه يعتقل ناساً شيعة والمخابرات تعتقل مسيحيين؟ أين نذهب بالدولة اليوم هناك جهاز دولة (الأمن العام الذي أوقف شادي المولوي) يعمل يجب دعمه». وقال نصرالله: «بالأمس الرئيس سليمان دعا للحوار. أنا أعلن باسم حزب الله رسمياً اننا موافقون على العودة لطاولة الحوار ومن دون شروط، وقوى 14 آذار إذا كانت قلقة على البلد تفضلوا الى الحوار من دون شروط ومن يخرج ليقول لتستقل الحكومة، فهذا لا يريد حواراً بل يريد السلطة بأي ثمن». واعتبر ان حكومة الوحدة التي شكلت في إسرائيل «يجب التوقف عندها، ودراستنا تقول ان أسبابها داخلية ولا علاقة لها بموضوع حرب في المنطقة، لكن يجب أن يبقى في البال الدعم الكامل من الكنيست للحكومة لأي مشروع عدواني». وكان رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط اعتبر انه «لا يجوز أن نضع شروطاً قبل الجلوس الى طاولة الحوار»، داعياً الى «الجلوس الى الطاولة ومناقشة كل الملفات من حيث انتهينا». وقال ان فريقه «جاهز للحوار» الذي دعا اليه الرئيس سليمان.