بعد إنتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة تأثرت آراء أهالي القطاع سلباً تجاه مسألة إنجاب الأطفال، خصوصاً بعد الإضطراب الشديد الذي أصاب المجتمع الغزّي إثر فقدان 2140 فرداً من أبنائه، وإن تفاخرت تقارير صحافية محلية كثيرة بتفوق عدد المواليد خلال العدوان (5300 مولود) على عدد الشهداء (2140 شهيداً). أيمن (45 سنة) أب لأسرة مكونة من تسعة أفراد، يعمل دهاناً الطلاء براتب يعادل 300 دولار شهرياً. مبلغ لا يجده كافياً لتحمّل أعباء عائلته، خصوصاً بعد دخوله في ضائقة ماديّة يتمنى لو عادت به الأيّام ليكتفي بطفلين أو ثلاثة فقط بحسب قوله! أبو سليم (58 سنة) أب لسبعة أفراد، يعمل تاجراً ولا يكسب ما يكفيه من المال لسدّ حاجاته أبنائه بحسب قوله. في المقابل، إرتأت أم يوسف (40 سنة) أن مسألة الإنجاب ضرب من الجهاد، وينبغي على كل أم غزيّة السعي لتعويض الشهداء الذين تفقدهم غزة، لافتة أنها تتمنى لو تنجب ولداً يُشبه شقيقها الشهيد الذي قضى خلال العدوان الأخير. آراء مختلفة حول مسألة الإنجاب، يعتبرها الإختصاصي النفسي سمير زقوت منطقية في ظروف غزة بعد نحو 8 أعوام على الحصار، مؤكداً وجود كارثة ديموغرافية صعبة مردّها زيادة الإنجاب في القطاع. ويلفت في الوقت عينه الإنتباه إلى الصدمات المعيشية التي يعاني منها القطاع، فتجعل أهله يضاعفون الغرائز الأساسيّة لحب البقاء بحسب مبدأ الحياة في مقابل الموت. ويشير إلى تزايد الكثافة السكانية، تتطلب بنظره إعادة تنظيم النسل بما يساعد في رفع سقف التنمية المجتمعية. وفي السياق عينه، يُشار إلى حالات زواج تمت أثناء العدوان الإسرائيلي، تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والدولية، مركّزة عناوينها على التحدّي للحياة. كما أثارت الحالة ذاتها دهشة بعضهم، لا سيما حين يُعقد القران في أحد مراكز الإيواء. فعلّقوا باللهجة الغزاوية: «احنا بايش ولا بإيّش؟»، أيّ ما معناه الإستغراب من إمكان إقامة حفلات زفاف تحت القصف الجوي للمنازل. في المقابل، عبّر آخرون عن تضامنهم بإبتسامة عريضة. ويأمل الإختصاصي زقوت بواقع أفضل، خصوصاً بعد اتفاق حركتي «فتح» و «حماس»، والذي يُؤمل من خلاله التطلّع إلى مسألة التنظيم الأسري وتوفير مجال حياة كريمة للأفراد، وتحديداً النظر في مشاكل الشاب الباحثين عن فرص عمل، والتي بسببها ركب كثر البحر طلباً للهجرة، فقضوا غرقاً. وزقوت الأب لتسعة أطفال يعرض نفسه نموذجاً آملاً بأن يتعظ الأبناء من تجربة الآباء في المعاناة الصعبة لتلبية متطلبات الحياة داخل القطاع. وأثارت الموضوع إذاعة «بي بي سي» العربية عبر تقرير بُث مرات، فطرح آراء متنوعة حيال قرار وقف الإنجاب في سورية، وهي تباينت بين مؤيد ورافض. في مقابل معلومات تؤكد ولادة طفل كل ربع ساعة في هذا البلد. هي إرادة الحياة تفرض نفسها. وما تقدّم يعيدنا بالذاكرة إلى وجه الطفلة الغزيّة شيماء قنن التي ولدت من رحم الشهيدة شيماء قنن إثر قصف منزلها، مجسّدة ما أورده الأديب اللبناني جبران خليل جبران في كتابه «النبي» «أبناؤكم ليسوا لكم، إنهم أبناء الحياة»، فلا علاقة لأحد بتحديد مجيئهم من عدمه، وأنّهم سيأتون إلى العالم على رغم المعوقات لو شاءت الأقدار. ويؤكد ما يورده الإختصاصي النفسي زقوت أن نزوع المجتمعات التي تتعرض إلى إبادة جماعية للتعويض بالعودة إلى الغرائز الطبيعية حسب مبدأ الحياة في مقابل الموت، وذلك بحسب دراسات كثيرة تناولت نزوع المجتمع الفلسطيني إلى زيادة الإنجاب، باعتبار أنّ الفرد الفلسطيني الأعزل لم يجد سوى الحفاظ على نسله من خلال أسلوب غريزي لا يحتاج إلى تكنولوجيا متقدّمة أو مساعدات مالية.