شكل الفحص المختبري صدمة كبيرة بالنسبة الى سارة صلاح (36 سنة) وكاد أن يغمى عليها بعد ان علمت انها «حامل»، لكونها اتفقت وزوجها على عدم الانجاب مرة ثالثة، بحيث يكرسان جهودهما لتأمين عيش مناسب لطفليهما زينب 5 سنوات وعلي 8 سنوات. سارة ليست الوحيدة التي لجأت الى تحديد اختياري للنسل، إذ أن أسراً عراقية عديدة، ولا سيما في المدن، اعتمدت أساليب طبية لتحديد النسل تحت ضغط اضطراب الاوضاع الامنية وانخفاض المستوى الاقتصادي وانعدام فرص العمل. وتلفت ليلى اسماعيل (40 سنة) الى ان «عدم استتاب الامن في شكل مستمر في البلاد يدفع بالعراقيين الى اتباع طرق شتى لتغيير نمط حياتهم»، وتقول ان غلاء المعيشة وانعدام فرص العمل والتهديدات المستمرة «تدفع باتجاه تحديد نسل العائلات العراقية التي ملّت العيش وسط ظروف مضطربة، وتشفق على ابنائها للعيش في الظروف ذاتها». ويلفت اطباء الى تزايد اعداد طالبي تحديد النسل باستخدام وسائل طبية تؤجل الانجاب خمس سنوات على اقل تقدير. وترى الطبيبة النسائية منتهى الجنابي، أن «وعي العائلات العراقية بخطورة المرحلة الراهنة جعلها تعيد ترتيب اوراقها من خلال تنظيم الاسرة المتمثل بتحديد نسل العائلة بما يتوافق والمستوى المعيشي والثقافي الذي تحظى به. والاهداف معروفة، أبرزها تأمين مستلزمات العيش الجيد لأفرادها من دون حرمان أو معاناة، أي أن العائلة ذات الدخل المحدود لا يمكنها تأمين حاجات ومستلزمات 4 إلى 6 أطفال. ولكن، لو أعيد تغيير طرفي المعادلة من خلال تقليص عدد الاطفال، ستتمكن من تهيئة حاجاتها وضمان حياة هادئة لأولادها من دون منغصات كبيرة». ولم تكن آليات تحديد النسل في اولوية اهتمام العائلة العراقية التي تراوح متوسط الانجاب فيها طوال العقدين الماضيين بين 3 و4 ابناء وهو معدل مرتفع، بحسب المختصين. وتقول الجنابي: «لا توجد موانع دينية او شرعية لتحديد النسل، وبالتالي يمكن لأي متخصص في مجال طب الاسرة والاطفال ان ينصح مثل العائلات بما يلزم من دون اي تبعات». وتؤكد استاذة علم الاجتماع سناء الداغستاني أن عوامل كثيرة اوجدت حافزاً للعائلات العراقية لكي تلتزم بضوابط معينة لتحديد النسل، ومن بينها «قلة فرص العمل، فضلاً عن غلاء الاسعار وانعدام الاستقرار النفسي لدى الاباء والامهات الذين باتوا يعانون مشاكل نفسية ازاء تذبذب المشهد الامني، ما انعكس سلباً على شكل العائلة العراقية التي طالما عرفت بكثرة عدد افرادها... ولّى الزمن الذي كان كلا الابوين يتباهى فيه بكثرة أولادهما، وانعكست الصورة، فأخذ الزوجان يبذلان جهوداً كبيرة من اجل تحديد النسل والاكتفاء بطفل حتى ثلاثة، تماشياً مع افرازات المرحلة التي تمر بها البلاد». ويقول استاذ الحوزة العلمية في النجف، نصير البكاء: «لا يوجد مانع شرعي في الإسلام من اتخاذ تدابير شخصية (أي في نطاق شخصي غير عام) من كل فرد، بحسَب ظروفه الخاصة وقدرته المالية، بتحديد نسله بطرق منْع الحمْل، ما عدا طرُق الإجْهاض التي فيها عدوان على جنين متكوِّن، إلا عند الضرورة التي تصل إلى درجة إباحة المحظورات كضرورة إنقاذ حياة الأم إذا توقَّف على إسقاط حملها».