صدّرت الصين سلعاً رخيصة إلى دول أفريقية كثيرة، وبنَت فيها طرقاً ومدارس بأسعار منخفضة على مدار العقد الماضي، لكن قادة القارة يحضّون بكين حالياً، على توفير مزيد من الوظائف التي باتت تشكل أكثر ما تصبو إليه غالبية الأفارقة. فمن بريتوريا إلى أبوجا، بدأت الحكومات تبدي خيبة من استغلال الصين أفريقيا باعتبارها مصدراً للموارد الطبيعية وسوقاً لسلعها، ما يمكن أن يعوّق جهود القارة الرامية إلى انتشال سكانها البالغ عددهم بليون شخص، من الفقر. وأبرز تقرير للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة صدر أخيراً، «الخطر» المتمثل في تسبّب علاقة القارة بثاني أكبر اقتصاد في العالم، في عرقلة محاولاتها الرامية إلى التصنيع. وارتفع التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا من عشرة بلايين دولار عام 2000 إلى حوالى 200 بليون هذه السنة، بعد أربع سنوات من تفوّق الصين على الولاياتالمتحدة لتصبح أكبر شريك للقارة. إلّا أن 85 في المئة من صادرات الصين من أفريقيا عبارة عن مواد خام مثل النفط والمعادن. وأشار «بنك التنمية الأفريقي»، إلى أن معظم المعادن المستخرجة في أفريقيا «تُصدر على شكل خام ما يعني أن الوظائف والثروات العائدة من معالجتها تتحقق في أماكن أخرى». وأدى تدفق المنتجات الصينية أيضاً، إلى تسارع وتيرة تراجع التصنيع في أفريقيا منذ ثمانينات القرن العشرين. وكشفت مؤسسة «برنتهورست» التي تتخذ من جوهانسبرغ مقراً أن صناعة المنسوجات الأفريقية وحدها «فقدت 750 ألف وظيفة على مدار العقد الماضي». وتستورد جنوب أفريقيا وهي أكثر الدول تصنيعاً في القارة، 40 في المئة من الأحذية والأقمشة من الصين. وأبدى رئيسها جاكوب زوما، مخاوف تساور حكومات أفريقية كثيرة، محذراً بشدة العام الماضي من أن «هذا النموذج غير المتوازن للتجارة لا يمكن استمراره». وأوضح رئيس برنامج أفريقيا في معهد «تشاتام هاوس» للبحوث ألكس فاينز، أن «الضغط الرئيس على حكومات أفريقيا يتمثل في توفير وظائف، في وقت لا يجدي نفعاً استحواذ الصينيين على هذه الوظائف، وذلك في ظل تمتع القارة بسكان هم الأصغر سناً والأسرع نمواً في العالم». ولا شك في أن ازدهار الصين جلب منافع كثيرة لأفريقيا. وحظيت بكين بإشادة قوية من حكومات كثيرة، لاستعدادها لتمويل مشاريع بنية تحتية ضخمة من دون شروط تتعلق بالديموقراطية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، التي تنتقدها أفريقيا في المساعدة التي تتلقاها من الغرب. وأدت معدلات نمو اقتصاد الصين البالغة في المتوسط 10 في المئة سنوياً على مدار عقد، إلى تعزيز «الدورة الفائقة» التي تمرّ فيها السلع الأولية والتي رفعت معدلات النمو في أفريقيا إلى مستويات قياسية. كما تساهم السلع الرخيصة المستوردة من الصين في تيسير الحياة اليومية وتنمية قطاع المستهلكين في أنحاء القارة. لكن اللجنة الاقتصادية لأفريقيا لفتت إلى أن الطلب الصيني على المعادن الخام والخشب والنفط «يجبر دولاً أفريقية كثيرة على التخصص في مجالات عند الحد الأدنى من سلسلة القيمة بمكاسب إنتاجية قليلة». وكان محافظ البنك المركزي النيجيري لاميدو سانوسي اعتبر في تصريح أدلى به في آذار (مارس) الماضي، أن «استخراج الصين الموارد من أفريقيا يحمل كل سمات الاستعمار». وفي رد على هذا الانتقاد، سعى الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال جولة أفريقية خلال الشهر ذاته، إلى تأكيد «السعي إلى عقد شراكة قائمة على استفادة الطرفين». وضخت الصين رؤوس أموال ضرورية في القارة المتعطشة إلى الاستثمار، ويُعدّ «بنك الاستيراد والتصدير الصيني» أكبر الدائنين لأفريقيا، وتعهدت بكين تقديم قروض أخرى بقيمة 20 بليون دولار في السنوات الثلاث المقبلة. لكنها تقدم أموالها بشروطها، القاضية بإنفاقها على السلع الصينية أو البنية التحتية التي تشيدها. وزاد عدد الصينيين في أفريقيا إلى عشرة أمثاله على مدار الأعوام العشرين الماضية، ليصل إلى حوالى مليون. ويشكو الأفارقة من «المنافسة الصينية التي تزيد من صعوبة حياتهم». وأشارت رئيسة بحوث أفريقيا في «بنك ستاندرد تشارترد» راضية خان، إلى وجود «دول أخرى تتعاون مع أفريقيا فضلاً عن مزيد من الخيارات». ولاحظت أن «دولاً كثيرة تنظر إلى الاستثمار الصيني بحذر». ولفتت إلى أن «العقود ستخضع لمزيد من التدقيق».