بات تواجد الصين وتوسعها على الصعيدين الاستثماري والتجاري في الأسواق الأفريقية، والذي لاقى ترحيباً من الحكومات الأفريقية منذ أكثر من عشر سنوات، يثير قلق صنّاع السياسات والمسؤولين التنفيذيين، الذي طالبوا باعتماد «مزيد من التشدد في الصفقات مع بكين». وتعتمد آلية التبادل بين القارة والصين، على تصدير النفط والفحم والحديد الخام وبعض الموارد الأخرى، في مقابل بناء الموانئ والطرق والسكك الحديد التي تشتد الحاجة إليها. ويخشى صنّاع السياسات والمسؤولين التنفيذيين، من أن يؤدي تدفق الواردات الصينية الرخيصة إلى تقويض القدرات الصناعية في أفريقيا. ورأى بعضهم أن الوقت حان للتخلي عن النظر إلى بكين، على أنها فاعل خير تربطه بأفريقيا مصلحة مشتركة في مقاومة تدخل الغرب. واعتبر وزير مال زيمبابوي تينداي بيتي في كلمة خلال «قمة رويترز للاستثمار في أفريقيا»، أن المستثمرين الصينيين «ليسوا رفاقاً، وهذه حقيقة محزنة». إذ «تتواجد شركاتهم هنا لتحقق أرباحاً مثل غيرها»، لافتاً إلى «انهيار صناعة المنسوجات الأفريقية بسبب الواردات الصينية الرخيصة». يُذكر أن حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا ارتفع من 10 بلايين دولار عام 2000 إلى 166 بليوناً عام 2011. ونبّه محافظ البنك المركزي النيجيري لاميدو سانوسي الشهر الماضي، إلى أن «الوقت حان كي يستوعب الأفارقة حقيقة علاقتهم بالصين». وأكد في مقال نُشر في صحيفة «فايننشال تايمز» أثار استياء في بكين، أن الصين «مساهم رئيس في تدهور التصنيع في أفريقيا وتأخرها». وربما يتحمل صناع القرار في أفريقيا جزءاً من المسؤولية في هذه المشكلة، لعدم مطالبتهم بما يكفي من نظرائهم الصينيين على طاولة المفاوضات. وشدّد الرئيس التنفيذي لشركة «إكسارو ريسورسيز» للتعدين الجنوب أفريقية سيفو نكوسي على ضرورة أن «تطالب أفريقيا الصين بنقل المهارات والتكنولوجيا إلى القارة، بدلاً من الاكتفاء بتصدير المواد الخام». مسؤولية الحكومات في المقابل، ربط سياسيون أفارقة، أحد عوامل استقطاب الصين ب «عدم رغبتها في انتقاد الحكومات الأفريقية في موضوع حقوق الإنسان أو الفساد على عكس الغرب». ورأى الرئيس التنفيذي لصندوق معاشات التقاعد الحكومي في جنوب أفريقيا إلياس ماسيليلا، ضرورة «إلقاء اللوم على الحكومة المتلقية، وليس فقط على المانح وحده». وأجمع متحدثون في المؤتمر، على حاجة الحكومات الأفريقية أيضاً إلى «بذل مزيد من الجهد لتطوير البنية التحتية ومنها الكهرباء والنقل، التي يمكنها دعم قطاع الصناعات التحويلية المحلي». ونظراً إلى حساسيتها إزاء الانتقادات، حرصت الصين على وضع دورها في أفريقيا في إطار المنفعة المتبادلة. إذ أشارت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ الشهر الماضي، رداً على تصريحات سانوسي، إلى أن لأفريقيا «تاريخاً استعمارياً طويلاً ولابد أنها تعرف طبيعة الاستعمار». واعتبرت أن «تشبيه التعاون الصيني - الأفريقي بقوى الاستعمار الغربية القديمة بعيد من المنطق». واتخذت الصين خطوات لتهدئة المخاوف من دورها في القارة الأشد فقراً في العالم، بما في ذلك تشجيعها على ضم جنوب أفريقيا إلى مجموعة الدول النامية المعروفة بدول «بريكس». وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، زار أفريقيا الشهر الماضي في أولى جولاته الخارجية منذ توليه الرئاسة. وفيما اعتبر في سياسته المتعلقة بأفريقيا، أن الشراكة بين بلاده والقارة هي «متساوية»، لفت إلى أن الصين «هي التي تملك المال»، إذ تعرض على القارة قروضاً بقيمة 20 بليون دولار لفترة بدأت هذه السنة وتمتد حتى عام 2015 . ولا يخفى أن قوة الصين في قطاع الصناعات التحويلية الذي يتميز بانخفاض كلفته وكبر حجمه، دعمت بعض الصناعات المحلية خصوصاً الاتصالات، إذ جعلت معدات شركات مثل «هواوي» و «زد تي إي» من الأجهزة الخليوية في متناول ملايين الأفارقة. وخلُص الرئيس التنفيذي لشركة «أم تي أن غروب» الجنوب أفريقية للاتصالات سيفيسو دابينغوا خلال القمة، إلى أن «الأمر كان ربما أكثر نفعاً إذا تطلعنا إليه من منظور صناعتنا»، مشيراً إلى أنهم «خفضوا الأسعار بشدة».