تزمجر أبواق السيارات وأصوات الدراجات النارية الغاضبة نتيجة الازدحام الكبير عند مدخل سوق الفقراء - الرحاب وسط الأحياء الشعبية في بيروت في اليوم الأول من شهر رمضان، وهو بالتأكيد ليس المشهد ذاته الذي اعتاد السوريون رؤيته في سوق «ساروجة» الدمشقي عندما يهل الشهر الكريم. سوق الرحاب الذي يمتد لمسافة طويلة وفيه كل ما يخطر في البال من البضائع والحاجيات الضرورية لموائد رمضان الشهية والمتنوعة هو أيضاً لا يشبه أسواق دمشق الشعبية. فالوجوه اختلطت في ما بينها وضج المكان بأصوات الباعة وليس من الصعب تمييز النازحين السوريين الذين كانت أعينهم تتنقل على انواع الخضر وترصد اسعارها المرتفعة ليخرجوا بعد جولتهم محملين بالقليل منها. فهم «ضيوف» هنا والدليل على أن السوق يكاد يخلو تماماً من مشروبات «الشوام» المفضلة مثل العرقسوس والتمر هندي. هذا كله جزء بسيط من آلاف التفاصيل الصغيرة التي خسرها النازحون السوريون عموماً وأهالي دمشق خصوصاً بعدما تهجروا من بلدهم حاملين الكثير من الذكريات عن كل شيء فقدوه، ومنها عن أجواء رمضان الذي له ايقاع خاص ونكهة «دمشقية» خالصة تختلف تماماً عن أجواء بيروت. تلبس مدينتهم أروع ازيائها والشوارع تتزين بالاعلام واللافتات المرحبة بقدوم الشهر الفضيل والأسواق تزدحم والجوامع تعمر بزوارها والأهم من هذا كله مشاعر البهجة والاطمئنان. ومن التقاليد الشائعة أن يسهر أفراد العائلة معاً في الليلة الأولى حتى يطل عليهم صوت «المسحر» الذي ألفوه على مر السنين، فيتسابق الأطفال إلى النوافذ والأبواب لرؤيته يمر بالقرب من منازلهم ليلقوا التحية عليه أو يشاكسوه. ولكن في بيروت لم يكن هذا ما شعروا به، فصوت المسحر غير مألوف ولا حتى طريقته في إيقاظ الصائمين والكثير من الأطفال لم يجدوا في أنفسهم الرغبة لرؤيته. والى ذلك فإن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها السوريون جعلت أيامهم الرمضانية تقتصر على الحاجات الضرورية، فغابت عن مائدتهم الأكلات التي اعتادوا وجودها ومنها طبق «الفتوش» الذي يعتبر طبقاً اساسياً بسبب ارتفاع أسعار الخضر. وبفعل الأوضاع الأمنية المرعبة والمعارك الضارية التي تشهدها سورية تبعثر شمل العائلات وخسر السوريون طقساً مهماً من طقوس رمضان. ويقول «ابو العبد» النازح من دمشق: «في أول يوم من شهر رمضان كان الجميع يلتقي الى مائدة الافطار في بيت العائلة وبعدها نتبادل «العزائم» بين الأهل والاصدقاء». ويضيف بحسرة: «كل هذا أصبح ذكرى. الوضع صعب والكثير منا مهجر وأنت اليوم بحالك!» في إشارة إلى شعوره بالغربة وافتقاده عادة تبادل الأطعمة مع الجيران. وعند المقارنة بين أجواء الشهر المبارك بين بيروتودمشق يسهل للسوريين التمييز بين العاصمتين، فبحسب «أحمد» هناك بعض المناطق في بيروت قد تتشابه مع بعض احياء دمشق ولكن تبقى لديه قناعة بأن أجواء «الشام التي يحب أجمل بكثير». أما محمود فلا يرى وجهاً للمقارنة ويقول وقد غلبه الحنين: «في رمضان لا شيء يشبه التمشاية في شوارع دمشق القديمة والافطار في احد مطاعمها العريقة أو في سوق الحميدية وصولاً إلى الجامع الأموي والصلاة فيه». هؤلاء انتزعوا من مدينتهم نتيجة الصراع العبثي الذي أتم عامه الثاني وكان من الصعب عليهم نتيجة ظروف نزوحهم القسري التأقلم في أجواء بيروت الرمضانية. وهم يكابدون القلق على مصيرهم ومصير عائلاتهم المشتتة بين الوطن وبلد النزوح. وخسر معظمهم المنزل والعمل وبعض العائلة وأصبحوا هائمين يغمرهم الحنين إلى دمشق وشوارعها ولا يملكون الآن سوى الدعاء للشام ببركة هذا الشهر. وتسمع كبار السن كما الصغار يدعون «الله يفرجها على الشام وأهلها» مستنكرين مجرد اقامة الشبه مع بيروت. من قال انهما تتشابهان؟! صحيح أنه شهر الخير اينما حل ولكن بالنسبة اليهم بهجته تنقصها... دمشق.