مركز (911) يتلقى (2٬606٬195) اتصالاً خلال شهر ديسمبر من عام 2024    بقيمة 8 مليارات دولار.. بايدن يُسلّح إسرائيل ب«صفقة الوداع»    وطن بلا مخالف.. ضبط 19,541 غير نظامي وترحيل 8,954 مخالفاً    سقوط ضحايا إثر حريق بسوق في الصين    البيرو.. سقوط حافلة من ارتفاع 150 متراً ومقتل 6 أشخاص    الرماح والمغيرة يمثلان السعودية في رالي داكار 2025    غرفة أبها تطلق مبادرة عيادات الأعمال الاستشارية بمجموعة خدمات متعددة    السعودية تدفع بالطائرة الإغاثية ال5 لمساعدة سورية    إيران.. استخراج 100 عبوة مخدرة من معدة شاب    مايكروسوفت تعتزم إنفاق 80 مليار دولار أمريكي على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في السنة المالية 2025    بعد انتشاره في الصين ..مختصون يوضحون ماهية فيروس HMPV ومدى خطورته    طقس شديد البرودة مع تكوّن الصقيع على عدد من مناطق المملكة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    عُمان أمام البحرين.. دوماً في أمان    افتتاح طريق التوحيد بمنطقة عسير    ترامب يشتكي من تنكيس الأعلام في يوم تنصيبه    «ظفار» احتضنهما.. والنهائي يفرقهما    وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون الدعوة يزور فرع الوزارة في جازان ويتابع سير العمل فيه    ميلان يقلب الطاولة على يوفنتوس ويتأهل لنهائي السوبر الإيطالي    ريال مدريد ينتفض في الوقت الضائع ويهزم فالنسيا ب 10 لاعبين    جمعية التنمية الأسرية تعرض خدمات مركز الأنس بصبيا    حازم الجعفري يحتفل بزواجه    الأخضر السعودي تحت 20 عاماً يكسب أوزباكستان وديّاً    غرفة جازان ومركز الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني يعززان شراكتهما لدعم التنمية الإعلامية في المنطقة    وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون الدعوة يزور مسجدي التابوت والنجدي الأثريين بجزر فرسان    مدير الأمر بالمعروف يزور مدير فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    أمير عسير يستقبل رئيس جمهورية التشيك في بيشة    الشرع يبحث مع ميقاتي العلاقات بين سوريا ولبنان    موقف الهلال من قيد نيمار محليًا    العُلا تستضيف نخبة نجوم لعبة «البولو»    انطلاق ملتقى الشعر السادس بأدبي جازان الخميس القادم    عسير: القبض على شخص لترويجه 15 كيلوغراما من «الحشيش»    القيادة تعزي الرئيس الأمريكي في ضحايا الحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة نيو أورليانز    خطيب المسجد النبوي: نعم الله تدفع للحب والتقصير يحفز على التوبة فتتحقق العبودية الكاملة    «الجمارك» تُحبط 3 محاولات لتهريب أكثر من 220 ألف حبة محظورة    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الرابعة التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة لمساعدة الشعب السوري    مظلات الشحناء والتلاسن    الكلية الأمنية تنظّم مشروع «السير الطويل» بمعهد التدريب النسائي    كيف تتجنب ويلات الاحتراق النفسي وتهرب من دوامة الإرهاق؟    لتعزيز سعادتك وتحسين صحتك.. اعمل من المنزل    كيف ستنعكس تعديلات أسعار اللقيم والوقود على الشركات المدرجة؟    الغضراف    ذلك اليوم.. تلك السنة    خشونة الركبة.. إحدى أكثر الحالات شيوعاً لدى البالغين    الصراعات الممتدة حول العالم.. أزمات بلا حلول دائمة    عام جديد بروح متجددة وخطط عميقة لتحقيق النجاح    محمد الفنتوخ.. الهمّة والقناعة    عبير أبو سليمان سفيرة التراث السعودي وقصة نجاح بدأت من جدة التاريخية    سوق العمل السعودي الأكثر جاذبية    ابتسم أو برطم!    سُلْطةُ الحُبِّ لا تسلّط الحرب    لماذا لا تزال الكثيرات تعيسات؟    عام الأرقام والتحولات الكبيرة السياسة الأمريكية في 2024    السعودية تأسف لحادثة إطلاق النار التي وقعت في مدينة سيتينيي بالجبل الأسود    استقبله نائب أمير مكة.. رئيس التشيك يصل جدة    محافظ محايل يلتقي مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    المملكة تنظم دورة للأئمة والخطباء في نيجيريا    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دمشق 2012 رمضان بلا «ميدان»
نشر في الحياة يوم 26 - 07 - 2012

عندما قال محمود درويش: «في الشام أعرف من أكون وسط الزحام»، لم يُحدّد حيّاً بعينه، لكن ليس في دمشق مكان أكثر ازدحاماً، خصوصاً في رمضان، من حي الميدان الدمشقي العريق، الذي كان مكاناً للتلاقي والفرجة، وتحول الآن ميداناً للحرب والصراع، فشُرّد سكانه وصاروا نازحين ولاجئين.
تخبر الفنانة التشكيلية الدمشقية هبة العقاد: «أهلي والكثير من سكان الحي الذين قطنوا حارة الحقلة منذ مئات السنين، هجروها الآن خوفاً من الموت والانتقام. اختفت الأسواق، واختفت المطاعم والأضواء، وبعد عقود طويلة من التشويه والقمع حلَّ الخرابُ والدمار».
العقاد التي تعرف الحيّ كباطن يدها، تروي حي الميدان بعاطفتها وذاكرتها معاً: «الحي يتميز بأسواقه، بدءاً من ساحة باب مصلى وصولاً إلى دوار البوابة. في الأعياد وطوال شهر رمضان، لا ينام الحي، يعجّ بالباعة والمتسوقين والمتفرجين، تصبح أجواؤه أقرب ما تكون إلى الكرنفال، يؤمه سكان نهاراً للتبضع ويرتادونه ليلاً لتناول السحور».
حي الميدان، الذي بات يتصدّر نشرات الأخبار ويقترن بأعداد القتلى والجرحى، ومن قبلُ بأخبار التظاهرات والمداهمات، يستحق استعادة سريعة لماضيه القريب وتاريخه كحيّ استطاع أن يحافظ على طابع الحياة الدمشقية الأصيلة، على عكس باقي الأحياء القديمة التي فقدت طابعها الاجتماعي الى حدٍّ كبير.
يقول عمر جمال الدين، أحد سكان الحي، إن «الميدان هو أحد المعاقل القليلة المتبقية للثقافة الدمشقية العريقة، إذ ما زال يضمّ مجالس عائلية تنظم علاقات الأُسر ومشاكلها، تعقد هذه المجالس اجتماعات دورية لمناقشة شؤونها، ولديها صناديق للتكافل مخصصة لدعم الفقراء والمحتاجين من أهل الحي.
حلّ «الميدان» محلّ قرية من قرى غوطة دمشق تسمّى القبيبات، ويمتد كيلومترين ونصف الكيلومتر جنوباً. ومن المستشرقين الذين كتبوا عن حي الميدان، بريجيت مارينو، التي وصفت الحي العريق وحاراته وأزقته ومساجده ومبانيه. قاتل أهالي حي الميدان الاحتلال الفرنسي بضراوة، إلى جانب أشقائهم في حي الشاغور وبقية أحياء دمشق والمدن السورية، حتى إن الفرنسيين قصفوا هذا الحي في العشرينات من القرن الماضي وأثناء الثورة السورية الكبرى.
أما العقاد، فتذكِّر بأن «أحداً لا يُضام في الميدان، ما في حدا مقطوع في هذا الحي، الأهالي يساند بعضهم بعضاً في الضراء والسراء»، لتشرح أنه حي محافظ لكنه غير متشدد، مغلق على حياته الداخلية بمناسباتها وناسها، لكنه منفتح في الوقت ذاته.
يُعتبر حي الميدان، الذي دُمِّر الكثير من معالمه خلال الانتداب الفرنسي وخلال الثورة الراهنة، المركزَ الرئيسي لصناعة المأكولات في سورية منذ عشرات السنين، ومنذ ما يقارب ال20 سنة بدأ الميدان يحتلُّ المركز الرئيس لصناعة الحلويات، وظهرت خبرات وعائلات تبنّت هذه الصناعة وعملت على تطويرها وتوسيعها، فباتت الحلويات الدمشقية، التي كانت محدودة في عدد معين من الأصناف في بدايات القرن الماضي، تتنوّع الآن حتى وصلت إلى 200 نوع.
ومن الناحية الفنية والجمالية، تخبر العقاد إن «الحي بدأ تشويهه منذ 30 سنة، كان يشبه حارات دمشق القديمة داخل السور، مثل باب توما وباب شرقي، كل البيوت كانت على الطراز القديم، وجاء المتحلق الجنوبي ليمزق الحي ويدمره جزئياً، ومن بعده المخطط التنظيمي للمدارس، إذ أُزيلَت مئات البيوت الدمشقية العريقة بحجّة بناء المدارس والجسر المتحلق».
وعلى الرغم من التشويه الذي طال الشكل العمراني للحي في العقود الماضية، إلاَّ أنه حافظ على أصالته ومكانته في قلوب السوريين، وتمكّن من إنقاذ بعض سحره العتيق، في الشكل المعماري وفي النسيج الاجتماعي.
ويرى المخرج السوري فراس فياض الحيَّ من زاوية أخرى: «سينمائياً، أراهُ مكاناً تتوزع فيه الإضاءة وتنتشر في شكل ساحر، إنه مكان لتلاقٍ فنّي للضوء والظل، وللقاء الآخر على موائد الطعام والشراب، وهو أيضاً مكان للحوار والتفاهم، وللتظاهر أيضاً». كأن صورة الحي بانورامية، لا ينفصل فيها العنصران البصري والمعنوي في ذهن فياض، الذي يضيف: «تنوّع الأضواء والألوان في هذا الحيّ يُعيدني بالذاكرة الى طفولتي المبكرة في جبل الزاوية، حيث السفوح والسهول الملونة بأزهار شقائق النعمان الحمراء وأزهار النرجس والنسرين، ألوان الأطعمة والمخلّلات وحبات الزيتون الملونة تُذكرني بالطبيعة وبلوحات فاتح المدرس».
وهذا الحي، وفق عمر ابن الميدان، كان معبراً وطريقاً لقوافل الحجاج في اتجاه الحجاز، فيه الزاوية السعدية، وزاوية الشيخ سعد الدين المباركة، وكانت القوافل تعرّج على هذه الزاوية للتبرّك قبل أن تكمل طريقها الى بيت الله الحرام.
ليس الميدان مجرد حي سكني، أو تجمُّعَ أسواق ومطاعم، بل أكثر من ذلك، «الميدان مكان يوحي بالتعدد والألفة والتسامح»، يقول فراس فياض، «وهو وإن ارتبطَ في ذهني بالطعام والشراب والأسواق وفرحة التلاقي، لكن صورته هذه متشابكة أيضاً مع صور التظاهر والاحتجاج، خصوصاً بعد 15 آذار (مارس)، فأضحى أحد رموز الثورة في العاصمة دمشق... والآن، ليس الحيُّ وجهةَ القصف فحسب، بل يطاول القصفُ والقتلُ الذاكرةَ الجماعية والأحلام الدمشقية الجميلة والإرث العريق للبورجوازية الشامية أيضاً»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.