ما حكاية «مخطط برافر»؟ شكلت لجنة برئاسة مدير التخطيط الإسرائيلي الجنرال المتقاعد إيهود برافر لدرس الأراضي «المتنازع عليها» بين العرب في صحراء النقب ودولة إسرائيل، أي أن إسرائيل وحدها هي من درست، وحكمت، وستنفذ، وقرارات هذه اللجنة ستكون نهائية، غير قابلة للطعن، وتعتبر تسوية كاملة لمسألة الأراضي العربية في صحراء النقب، وهي القضية المستمرة منذ احتلال فلسطين عام 1948، أي أن المحتل قرر استكمال احتلاله، وقررت لجنة برافر تدمير قرابة 20 قرية، وتهجير أكثر من 50 ألفاً من سكانها، مقابل حديث غامض عن تعويضات مالية، أو إعطاء المهجرين قسيمة بناء في بلدات أخرى، هذا المشروع يأتي، بحسب اللجنة الإسرائيلية، من أجل «دمج بدو النقب في المجتمع الإسرائيلي»، وبناء مخططات جديدة وتطوير المنطقة، وإنهاء مسائل الأراضي العالقة هناك، وقد شجبت منظمة العفو الدولية هذه الخطوة، كما تفعل كل المنظمات الدولية غير الفاعلة بشكل روتيني. احتجاج منظمة العفو الدولية لم يأتِ بسبب طبيعة المشروع العدوانية كعملية طمس لملامح الأرض وتهجير لسكانها، وترسيخ للاحتلال وتهويد المنطقة، بل بسبب عدم تمكن السكان من استئناف قرارات اللجنة أمام هيئة قضائية مستقلة، وقضايا شكلية أخرى. حقيقة لا يمكن رؤية أي جديد في «مخطط برافر»، هو سيناريو واحد يتكرر منذ ما قبل النكبة، وهو في استمرار إلى أن تتغير موازين القوى في المنطقة، وما هو توسع داخل الخط الأخضر اليوم، سيتحول خارجه غداً، مع استمرار الضعف العربي، واستمرار الانقسام الفلسطيني المزمن. التضييق على العرب، وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة، ثم تهجيرهم، وتجريف أراضيهم الزراعية، وهدم قراهم، هو أمر اعتادوا عليه، كما اعتادوا على الصمود والتظاهر والرفض والمقاومة بما لديهم من إمكانات بسيطة كما في حركة «برافر لن يمر». قبل النكبة، عام 1945، كتب المفكر اللبناني ميشال شيحا حول ما يحدث في فلسطين، من العصابات الصهيونية: «مع اليهودية، وهو ما يؤكده الكل بإخلاص، كنا سنعيش بسلام، ولكن ما الذي تعنيه هذه المؤسسة الصهيونية التي تؤكد عمداً طبيعتها الاحتلالية والعدوانية واللاإنسانية؟»، بعد عقود من تلك اللحظة، لم يتغير أي شيء، فها هم العرب يتعرضون لهذا العدوان واللاإنسانية، وهذه إسرائيل تمارس احتلال الأراضي العربية، واضطهادهم الممنهج، ويكرر عرب 48 بشكل دائم شجب العنصرية الممارسة ضدهم في إسرائيل، الذي يعد مخطط برافر حلقة من حلقات هذا الإجرام، الذي كانت ترتكبه عصابات الأرغون والهجانا قبل النكبة، وأصبحت تمارسه دولة إسرائيل بعدها، كأكبر انتهاك لحقوق الإنسان على حد تعبير الرئيس الأميركي الأسبق كارتر. من صور العنصرية في «مخطط برافر» – على سبيل المثال – عدم اعترافه بإدعاءات الملكية العربية للأراضي الواقعة في مجال المشروع ما لم يكونوا قد قدموا إدعاءاتهم بملكية الأراضي قبل 1979، فيما لا يحدد مدة زمنية لإدعاءات الملكية المقدمة من المؤسسات الإسرائيلية، أيضاً التعويض للأراضي سيقسم بناء على أمور غير مفهومة وغامضة، منها على سبيل المثال، أن يكون مالكو السكان العرب أقاموا عليها في السبعينات الميلادية، ومقدار التعويض سيحدد بناء على كونهم كانوا يزرعونها في ذلك الوقت أم لا، وحجم هذا الاستصلاح الزراعي، كما أن القانون يحدد فترة زمنية محددة، إذا لم يتم تسوية التعويضات خلالها، فلا يحق للمدعي أن يستلم أي شيء. تم تقدير التعويض عن الأراضي بما يقارب 10 في المئة من قيمتها الحقيقية كما تشير تقديرات أولية. وتجاهل مخطط برافر القرى العربية التي تم الاعتراف بها أخيراً، فكأنما يراد شطبها من الخريطة كذلك، على رغم الاعتراف الرسمي بها، وإعطاء تصاريح بناء للسكان قبل أعوام قليلة. خطورة عرب النقب على إسرائيل تكمن في أنهم قادرون على الحياة على رغم كل الصعوبات، وانعدام البنية التحتية، والتهجير المستمر ضدهم منذ 1948، إذ كان عددهم يقارب 80 ألفاً قبل النكبة، ثم تم تقليص العدد بعد تهجيرهم إلى قرابة 10 آلاف، كانوا يعيشون على الزراعة وتربية المواشي، واليوم يستقر في البلدات والقرى العربية هناك قرابة 250 ألف عربي، بينما أقيمت على الأراضي المصادرة، والقرى المدمرة، عشرات المستوطنات الإسرائيلية. بالتوازي مع إقرار مخطط برافر، والاحتجاجات العربية التي اجتاحات الأراضي المحتلة بسببه، أصدر الاتحاد الأوروبي قراراً باستثناء المستوطنات في الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وكل الأراضي التي تم احتلالها بعد 1967، من أي اتفاقات مشتركة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، في قطاعات الاقتصاد والتعليم والصحة وغيرها، بحيث تكون الاتفاقات حصراً بما يسمى «داخل الخط الأخضر». البعض يرى في هذا القرار بادرة ممتازة من الاتحاد الأوروبي، بينما يراها آخرون بأنها مجرد محاولة لتجنيب إسرائيل مصير مقاطعة دولية، كما حدث لنظام الفصل العنصري «الأبارتايد» في جنوب أفريقيا، من خلال حصر المقاطعة بالمستوطنات، وكأنها المنطقة الملعونة، والتعامل مع الداخل الإسرائيلي، كجسم منفصل، لكن هل لهذا القرار أي تأثير؟ على رغم الشجب الإسرائيلي العنيف له، إلا أن مشاريع استيطانية جديدة تم إقرارها. حصر إسرائيل داخل حدود 1967 من خلال قوة ناعمة لن يجدي. لنفكر ماذا لو كان القرار الأوروبي بمقاطعة إسرائيل لو لم تنسحب إلى حدود 67 عوضاً عن مقاطعة المستوطنات فقط. قرار المقاطعة الأوروبي، ومخطط برافر، هي لحظات هامشية من المشهد الرئيس الذي يضم عار العالم بالتعامل مع دولة احتلال، وتمييز عنصري، يقودها مجرمو حرب، بمباركة دولية. * كاتب سعودي. [email protected] @BALRashed