تفاقمت الأزمة السياسية في البرتغال أمس بعدما رفض الرئيس خطة لعلاج انقسام الحكومة واتهمه منتقدوه بإشعال «قنبلة موقوتة» بدعوته إلى إجراء انتخابات مبكرة العام المقبل. واقترح الرئيس البرتغالي أنيبال كافاكو سيلفو اتفاقاً يضم كل أحزاب الائتلاف الحاكم والحزب الاشتراكي المعارض لضمان الحصول على تأييد أوسع لإجراءات التقشف التي تحتاجها البرتغال حتى تنتهي خطة الإنقاذ العام المقبل على ان تجري بعدها انتخابات. وجاء هذا القرار بمثابة طلقة تحذيرية لكل الأحزاب الكبيرة ويشير إلى ان الرئيس لا يعتقد ان أياً من هذه الأحزاب قادر على الحكم بفاعلية إلى ان تنتهي خطة الإنقاذ كما هو مقرر لها في حزيران (يونيو) 2014. وقوبل هذا الإجراء من جانب كافاكو سيلفا بانتقادات حادة في بلد سقط في أسوأ أزمة اقتصادية منذ السبعينات تحت وطأة إجراءات تقشف فرضتها خطة الإنقاذ. وتراجعت أصول البرتغال نتيجة ذلك. وانخفضت أسعار الأسهم بنسبة 1.4 في المئة وقفزت عائدات الأذون لعشر سنوات بمقدار ست نقاط أساس إلى 6.95 في المئة. وأوردت صحيفة «بوبليكو» اليومية في مقال افتتاحي أن «رئيس الجمهورية قرر التغلب على الجمود السياسي بين الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم بإضافة مشكلة اخرى الى المشكلة القائمة بالفعل». وأضافت الصحيفة «قرر ان يأخذ السلطة». ومثل هذه الاتهامات لا تؤخذ باستخفاف في هذا البلد الذي شهد أطول فترات الحكم الدكتاتوري في غرب اوروبا في عهد انطونيو سالازار. ويمنح دستور البرتغال للرئيس سلطة حل البرلمان والدعوة الى اجراء انتخابات. وقال كافاكو سيلفا ان الحكومة الائتلافية باقية في السلطة لكنه رفض التعديل الوزاري الذي اقترحه الحزب الديموقراطي الاجتماعي الحاكم وشريكه اليميني الأصغر في الائتلاف. وتفجرت الأزمة عندما استقال وزير الخارجية باولو بورتاس في الأسبوع الماضي ما هدد استمرار الحكومة لأن بورتاس يتزعم الشريك اليميني الأصغر في الائتلاف الحاكم. وعقد رئيس الوزراء بيدرو باسوس كويلو محادثات طارئة الأسبوع الماضي مع بورتاس وأعلن يوم السبت انه سيرقي بورتاس الى منصب نائب رئيس الوزراء ويجعله مسؤولاً عن تنسيق السياسة الاقتصادية لإصلاح الخلافات. وأمل كافاكو سيلفا بالتوصل إلى اتفاق بين الأحزاب التي وافقت على خطة إنقاذ بقيمة 78 بليون يورو منحت للبرتغال في أيار (مايو) عام 2011، في مقابل برنامج تقشف وإصلاحات حازمة. وكان الاشتراكيون الحاكمون تفاوضوا حول خطة الإنقاذ وصادق عليها الحزب الاشتراكي الديموقراطي، بزعامة رئيس الوزراء بيدرو باسوس كويلو وحليفه الحزب المحافظ. وكان الحزبان شكلا الحكومة الحالية، بعد هزيمة الحزب الاشتراكي في الانتخابات التشريعية المبكرة في حزيران (يونيو) عام 2011. واعتبر كافاكو سيلفا، أن «الأزمة السياسية الأخيرة أظهرت الحاجة الملحة إلى اتفاق متوسط المدى بين الأحزاب التي وافقت على خطة الإنقاذ»، داعياً إلى تشكيل «حكومة وحدة» بهدف «إبعاد خطر عودة الأزمة السياسية». ودعا الرئيس البرتغالي، الذي يضطلع بدور بروتوكولي لكن يملك سلطة حل البرلمان، الأحزاب ذاتها إلى «التوافق على جدول زمني لإجراء انتخابات مبكرة، بعد انتهاء خطة المساعدة في حزيران عام 2014». وتوجه إلى الأمة بعد لقاءات أنهاها مساء أول من أمس، مع الأحزاب السياسية والشركاء الاجتماعيين لإطلاعهم على الوضع السياسي الراهن. ودافعت غالبية أطياف المعارضة اليسارية والنقابات المنتقدة سياسة التقشف المتبعة تحت وصاية الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، عن الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة. وشدّد ممثلو الائتلاف الذي يشكل الغالبية في الجمعية الوطنية، على ان «الاتفاق المبرم بين الحزب الاشتراكي الديموقراطي (وسط اليمين)، بزعامة رئيس الوزراء وحزب الوسط الاشتراكي الديموقراطي - حزب الشعب، وهو تشكيل ديموقراطي مسيحي بزعامة بورتاس، هو الحل الوحيد لضمان الاستقرار السياسي الذي تحتاج إليه البرتغال لاحترام التزاماتها الدولية. وينص هذا الاتفاق على بقاء بورتاس في السلطة التنفيذية مع ترقيته إلى منصب نائب رئيس الوزراء المكلف التنسيق الاقتصادي والعلاقات مع «ترويكا» المانحين. وأكد باسوس كويلو تعيين ماريا لويس البوكيرك في منصب وزير المال الذي كان يشغله حتى الأول من تموز (يوليو) الجاري فيكتور غاسبار الضامن الرئيس لتنفيذ خطة التقشف. لكن اختيار البوكيرك وزيرة الدولة السابقة لشؤون الخزانة لدى غاسبار، لم يرضِ بورتاس الذي استقال من منصبه كوزير للخارجية متهماً رئيس الوزراء ب «اتباع طريق الاستمرار البسيطة في وزارة المال». إلى ذلك، ساهمت الاقتطاعات في الموازنة وزيادات الضرائب التي تقررت حتى الآن في شكل لا سابق له، في عزلة الحكومة التي واجهت الانتقادات حتى من أرباب العمل، كما فاقمت حال الاستياء الاجتماعي. فيما تسبّبت سياسة التقشف في انكماش وارتفاع معدل البطالة في شكل فاق التوقعات، ما دفع «الترويكا» إلى التخفيف من أهداف الموازنة في البرتغال مرتين. وبدت الحكومة ضعيفة من وجهة نظر الرأي العام، كما أجّجت أزمة الأيام الأخيرة المخاوف من فشل البرتغال في استعادة ثقة الأسواق لتمويل دينها الضخم بعد خطة الإنقاذ المرتقبة في حزيران عام 2014.