يقيم النحات المصري علاء عبدالحميد معرضاً فنياً مفتوحاً في مشروع غير محدد بفترة، يقدم فيه مزيجاً من مجموعة فنون تشكيلية. فالسائر في شوارع القاهرة، وفي «وسط البلد» تحديداً، وأحياء مثل الزمالك وأرض اللواء، سيجد تمثال «نحت بارز» لنسر مقلوب معلق على جدران المباني. 120 نسراً تنتشر في شوارع القاهرة، وتحمل ألواناً فسفورية زاعقة. تحمل نَفَساً تهكمياً، ودعوة صريحة لإسقاط النظام، أو ملمح حزين يعبر عن فوضى المشهد السياسي في مصر. منحوتة «النسر المقلوب» تروي قصة الثورة المصرية، وتحكي للجمهور العادي الشعبوي قصة السلطة (رمزها النسر) التي لا تسير وفق الإرادة الشعبية. في ثورة 25 يناير ذهب «الحزب الوطني» وأتى الإخوان، فأطل النسر مقلوباً، وفي ثورة 30 يونيو ذهب «الإخوان» وظهر المجلس العسكري، وفي كل الأحوال فإن النسر - السلطة لا يزال خارج نطاق إرادة الشعب الذي يسعى إلى دولة مدنية حديثة. المعرض المفتوح، يقدم بعداً جديداً تفاعلياً بين المنتج الفني الذي يعرضه ورجل الشارع. يقول عبدالحميد: «هي فرصة جيدة لمتابعة مسار القطعة الفنية وتفاعلها مع البيئة والناس والسلطة، وفكرة المعرض جاءتني بعدما رأيت ملصقاً إعلانياً لأحد المعارض القديمة التي أقمتها، وفوجئت بوجود البوستر بعد هذه السنوات، ومن هنا قررت أن أطلق التماثيل أيضاً للتفاعل مع الجمهور في معرض مفتوح». وبدا تفاعل جمهور الشارع مع مشروع النسور المقلوبة إيجابياً، إذ كُتِب على بعض النسور عبارات مثل «يسقط النظام»، و «الحرية جاية لا بد»، بينما ألصقت مجموعة صور صغيرة الحجم لمشايخ الفضائيات وقنوات التحريض الطائفي في تفاعل صريح وإيجابي مع الرسالة التي يعرضها المشروع النسر، عدا عن إنتشار مجموعة صور لنسور مقلوبة في مناطق أخرى من المدينة، وهذا لم يمنع صوراً لتفاعل سلبي، مثل تكسير بعض التماثيل. يمتد المعرض المفتوح إلى منطقة وسط البلد، وتحديداً في شارع «قصر النيل»، حيث تطل جدارية بطول 19 متراً، وبارتفاع 4 أمتار، تمزج بين فنون عدة، تماثيل من الخردة لعلاء عبدالحميد، تتخلل رسمة غرافيتي لعمار أبوبكر، تظهر حسناء شابة يجوز تأويلها على إنها مصر - الإرادة الشعبية، وبجوارها سطور شعر باللغة العامية: «أول ما فتحت عيني، وقبل ما تعرفني أمي، كحلوني لحد خدي، عشان أشبع تماثيلك»، والخط للفنان سامح إسماعيل، أما الكلمات فللشاعر أحمد أبو الحسن. يطغى اللون الأزرق على الجدارية ليضخ انطباعاً بالشفافية والسمو، مع الخط العصري الشخصي لسامح إسماعيل الذي يتكئ على مزيج من الخطوط العربية الكوفي والفارسي والثلث وغيرها، لينتج بصمة شديدة الذاتية والخصوصية، تشي بالأصالة والحداثة معاً، ليتماهى الخط مع شخصية الدولة المدنية الحديثة المتكئة على سلسلة طويلة من التراكم الحضاري في تاريخ مصر. وتكتمل الصورة بتلك النزعة الشوفينية، المغرقة في المحلية، بالالتفات إلى تفاصيل الهم المصري، حتى إن تماثيل علاء عبدالحميد في جدارية شارع قصر النيل مستمدة من خردة الورش ومفردات الشارع المصري. تجربة المعرض المفتوح عمل لافت جداً بما يحمله من صدق وجماليات رفيعة ومزيج من عناصر مختلفة ورمزية أحياناً أو مباشرة شعاراتية في أحيان أخرى، الأمر الذي مكّنه من مخاطبة مستويات عدة من جمهور الشارع، ليصير أبرز معلم فني في شوارع القاهرة الآن.