مباريات رمضانية في شوارع العاصمة وميادينها. أطول مائدة إفطار من «التحرير» ل «الاتحادية»، أكبر صحن سحور من «رابعة» ل «الحرس الجمهوري»، زينات رمضان وفوانيسه تعتلي الأسطح وتصل بين المباني، لافتات موائد الرحمن ظهرت هنا وهناك، صلاة التراويح والدعاء لرفع الغمة وإزالة البلاء. لكن ما هو غمة هنا ليس إلا رحمة هناك، وما هو بلاء هناك ليس سوى اغتناء هنا. الفريقان يستعدان لرمضان، لكنه ليس استعداد الصائم المعتاد بتعليق الزينات، وإعداد ساحات المساجد، وتنسيق طاولات موائد الرحمن، وشراء قمر الدين والسكر والزيت. إنه استعداد «الإرادة الشعبية» في مواجهة «الشرعية الإخوانية». إنه اليوم الأول من أيام الشهر الكريم الذي اختفت معالمه أو كادت من شوارع القاهرة للمرة الأولى في تاريخها الحديث، باستثناء محل فوانيس عرض بضاعته على استحياء وسلسلة «سوبر ماركت» وزّعت عروضها الرمضانية في الخفاء. لكن ميادين «الثورة» ومنافستها من ميادين «الشرعية» استعدت للشهر الكريم استعداداً عاتياً رهيباً يرفع شعار «رمضان كريم». كرم رمضان الذي ضنّ على المصريين بفرحة موحّدة هذا العام انقسم كرمين، الأول كرم حلفاء الدكتور محمد مرسي حيث علب التمور والوجبات المعلبة وزجاجات المياه لنصرة الرئيس والدفاع عن الشرعية والشريعة. منصة «رابعة» تم تزويدها بفوانيس رمضان وعلت أصوات التهديد والوعيد بتجهيز أكبر مائدة إفطار رمضانية عرفتها مصر مع وعد «حازمون» (أبناء المرشح الرئاسي المنسحب المقبوض عليه حالياً الشيخ حازم أبو إسماعيل) بذبح عجلين. ويشار إلى أن ذبح العجول هي عادة اعتصامية ينتهجها أولاد أبو إسماعيل حيث يُعد ذبح العجول من أبرز أنشطتها الاحتجاجية. ومع كثير من الدعاء بعودة الدكتور محمد مرسي ونصرة الشرعية والشريعة، والدعاء على كل من يناصب الجماعة العداء والكراهية، والتأكيد على السلمية في هذا الشهر الكريم ملوحين بالعصي الحديد والشوم الخشبية، يستقبل صائمو «رابعة» الشهر الكريم مرددين وراء هتاف مشايخ المنصة الرئيسية Yes we can ويلهب خطيب المنصة حماسة أنصار الدكتور مرسي سائلاً إياهم We have only one president. Who is this? لدينا رئيس واحد فقط. من هو؟ فتردد الجموع الحاشدة وراءه «هو إيز ذيس؟» فيعيد المحاولة No no who is he? لكنهم يهتفون وراءه «هو إيز هي؟» فيضطر إلى منحهم الإجابة «مرسي مرسي»! مرسي الذي يقف في ميادين «الشرعية والشريعة» باعتباره «أيقونة» رمضان ومصدراً للإلهام وطلب الغفران، يقف في ميادين «الشرعية الشعبية» باعتباره سبة رمضان ومنهلاً للاحتجاج على حكم «الإخوان» والخلاص من «تجّار الدين». وكما أن للحقيقة وجهين، فلرمضان في مصر وجهان أيضاً. ففي الوقت الذي تباع فيه في ميدان التحرير شارات حمراء مكتوب عليها «اللهم بلغنا رمضان بلا إخوان»، وفوانيس تباع على شكل خراف، وهي التي تم استيرادها قبل 30 حزيران (يونيو) الماضي ويستخدمها كارهو الجماعة كنوع من الإسقاط الساخر. وإذا كانت السخرية حق للجميع، فإن ميادين «الشرعية والشريعة» تسخر كذلك ولكن بطريقتها الخاصة. فالهتافات والأحاديث والتغريدات والتدوينات تسخر من «العلمانيين» أعداء الدين و«الانقلابيين» عشّاق الحكم العسكري، لكن المثير إن أحاديث «الصهيوليبرالية» اختفت تماماً، وذلك بعد المواقف في كل من الولاياتالمتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل في التعاطف مع «الشرعية والشريعة»! وعلى رغم الأجواء غير الرمضانية المصاحبة لرمضان هذا العام، حيث انقسام الميادين والميل للعنف وخطاب الكراهية والتحريض ونداءات الاستشهاد والجهاد، إلا أن البعض لم يفقد قواه التنكيتية بعد. فالرسم التوضيحي الذي يعجب الآلاف على مواقع التواصل يلخّص تطبيقاً عاماً من حكم الإخوان لشعار ثورة يناير «عيش حرية ... عدالة اجتماعية» حيث تحوّل إلى «عيش حرية ... صور إباحية (التي روجها شيخ الفضائيات عبدالله بدر للفنانة إلهام شاهين)، ... في العربية (الشيخ السلفي علي ونيس الذي كان في سيارة في وضع مخل بالآداب مع فتاة)، عملية تجميلية (عملية تجميل الأنف التي خضع لها النائب البرلماني السلفي البلكيمي والذي كذب في شأنها)، أمه أميركية (والدة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل التي أنكر حملها للجنسية الأميركية)، جماعة إرهابية (الجماعة الإسلامية التي قتل أعضاؤها الرئيس الراحل أنور السادات وأصبحت شريكة في حكم الإخوان)، وخيبة قوية (في إشارة إلى النهضة القوية)». آخرون أعلنوا أن الرئيس أوباما سيوجه كلمة بعد قليل لتهنئة المصريين بقدوم الشهر الكريم من على منصة «رابعة». وتبقى حقيقة رمضانية واحدة ألا وهي أن مصر تستقبل رمضان 2013 برئيس مخلوع، وآخر معزول، وشعب مقسوم!