حين تتواكب العطلة الصيفية وشهر رمضان وفوضى ما بعد ثورة مجهَضة، تكون النتيجة سمكاً إخوانياً ولبناً سلفياً وتمراً هندياً عادياً. وضْعُ الشباب في هذه الأيام، التي تتمنى مصر أن تكون منفرجة، هو أقرب ما يكون إلى اختلاط ال «سمك واللبن والتمر الهندي» في إناء ينضح أصلاً بما يحويه من عوامل طبيعية صعبة، مثل حرارة قائظة ورطوبة خانقة وأعصاب متلفة، وأخرى من صنع الإنسان وتشمل حالاً اقتصادية مزرية، ومجتمعية فوضوية. صيفُ 2012 يعكس أطياف الشباب المصري بكل انتماءاته وفئاته وتطلعاته ومخاوفه، فبعد عام ونصف العام على ثورة يناير، التي ظن الشباب الذين قاموا بها أنها ستسطر عصراً جديداً لهم ولآبائهم ولأبنائهم في المستقبل، فوجئوا بأن «العصر الجديد» إما لم يحن بعد، أو أن عصرهم الموعود اختُطف واستُبدل به آخرُ غير محمود العواقب. لكن الشباب الذين لم يصنعوا الثورة، أو انضموا اليها في مراحلها الأخيرة، لم يخطر ببالهم أنهم سيجنون ثمارها وحدهم من دون مشاركة من أصحابها الأصليين، فوجدوا أنفسهم أيضاً بعد عام ونصف العام في موقع لم يحلموا به! حُلُم تصدُّرِ شبابِ الإخوان المسلمين المشهدَ لم يخطر على بال! فبعدما كانت نشاطات شباب الإخوان المسلمين الصيفية تقتصر على معسكرات شاطئية تجمع بين تعلم أصول الدين والترفيه، أو دورات رمضانية للعب كرة القدم وتعلم أصول الدين، أو دورات تقوية لمناهج العام المقبل وفيها بعضٌ من أصول الدين، تحول النشاط الصيفي هذا العام إلى «مبادرات» يقدمها شباب الإخوان المسلمين باعتبارها مساهمة في بناء مصر، ويراها آخرون من غير الإخوان بوادر لاختطاف مؤسسات مصر، فبين تشكيل مجموعات إخوانية شبابية قررت أن تنصب نفسها رقيباً على المخابز للتأكد من عدم تهريب الدقيق، وأخرى لإزالة القمامة التي طمست ملامح الشوارع والميادين، وثالثة لمساعدة المحتاجين، لا سيما في رمضان... وغيرها، انقسم المصريون بين مؤيد لتلك المبادرات ومعارض. كثيرون يشيدون بتلك المحاولات للمساهمة في الحد من المشكلات التي تطارد المصريين في حياتهم اليومية، لكن آخرين يتساءلون عن حق أفراد أو جماعات –سواء كانوا من الإخوان المسلمين أم غيرهم– في أن ينصِّبوا أنفسهم رقيباً على آخرين. كما استنكر البعض الآخر هذا التوقيت، وفسروه بأنه محاولات مستميتة لإنجاح الرئيس الإخواني الدكتور محمد مرسي ومشروع «المئة يوم» الذي أطلقه، ويتساءلون: لماذا لم يتبرع شباب الإخوان بوقتهم وجهدهم من قبلُ لانتشالنا من المشكلات التي تعصف بنا على مدى 16 شهراً؟ وتأتي الإجابة منطقية في ضوء قواعد اللعبة السياسية! فمثلاً حملة «ساعد رئيسك وابدأ بنفسك» التي تم تدشينها في منطقة «شبرا الخيمة» في محافظة القليوبية قبل أيام، لا تدّعي مساعدة مصر، لكنها تعلن مساعدة الرئيس من قبل الشباب، الذين أطلقوا على أنفسهم تسمية «جمعية تحالف ثوار مصر»، وإن كان تشكيلهم لا يخرج عن إطار شباب حزب «الحرية والعدالة» (الذراع السياسية لجماعة الإخوان). ومن تنظيف الشوارع إلى تنظيف الأخلاق، حيث شنت مجموعة شبابية إخوانية أخرى حملة رمضانية عنوانها «أنا أخلاقي حلوة»، وتهدف إلى إعادة أخلاق الميدان إلى المجتمع المصري، الذي يعاني حالياً الأمرّين من حال تدنٍّ أخلاقي غير مسبوقة! أبناء أبو إسماعيل نشاط شبابي رمضاني آخر غير مسبوق يشنه هذه الأيام أبناء المرشح المستبعد من انتخابات الرئاسة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، الذين انتهزوا فرصة استمرار بقاء ميدان التحرير خارج نطاق السيطرة الأمنية وبدأوا يقسمونه وفق أهوائهم، فهذا قسم لخيام المقيمين في الميدان، وقسم آخر مخصص لموائد الإفطار، وثالث للندوات الدينية والسياسية، ورابع لاستقبال المتظاهرين الوافدين إلى الميدان... وهكذا دواليك. واتِّباعاً لمبدأ «الشيء لزوم الشيء»، فإن استعدادات أخرى تجرى على هامش ميدان التحرير لمواكبة هذه السيطرة «الحازمية» والاستفادة منها، فالسمة التي باتت مشتركة لكل التجمعات الميدانية على مدار الأشهر الماضية، هي «الباعة الجوالون»، وأغلبهم من الشباب القادرين على تقديم الخدمات للموجودين في الميدان على اختلاف انتماءاتهم، فمن أكواب «نسكافيه» أنيقة، إلى عبوات «حلبسة» شعبية وخدمة شراء سندويتشات «برغر» من المطاعم القريبة، أو تجهيز «الممبار» الشعبي (أحشاء الأغنام المحشوة بالرز)... يجد رواد الميدان غاياتهم الغذائية المرجوة. ومع أول أيام الشهر الكريم، وَضُحَ تماماً أن باعة ال «عرقسوس» وال «صوبيا» وال «تمر هندي» ستكون لهم اليد العليا، نظراً الى الظروف الجوية القاسية التي تتطلب المرطبات المثلجة على موائد «حازمون» المسيَّسة. تسييس النشاطات الشبابية هذا الصيف تغيب عنه القوى الشبابية الثورية المنزوعة النكهة الدينية، فالحركات الشبابية الليبرالية تبدو صامتة أو غائبة هذه الأيام، وقد يكون ذلك بسبب الإحباط، بعدما تلونت الثورة بألوان إخوانية وأخرى سلفية، وقد يكون أيضاً لقناعة البعض منهم بأن النتيجة الحالية طبيعية، في ظل تشرذم القوى الشبابية الليبرالية وتوحد قريناتها الدينية، مع ارتكازها الى قوى تنظيمية هائلة ودعم مادي كبير. «6 أبريل» إخوانية؟ المثير أن جماعة «6 أبريل» تكثف نشاطاتها هذه الأيام بحملات ذات طابع إخواني، لدرجة جعلت البعض يعتقدون أن أعضاءها تابعون لجماعة الإخوان، فبين توزيع سبعة آلاف حقيبة رمضانية في محافظة «كفر الشيخ»، وحملة لجمع الملابس المستعملة واللُّعَب القديمة لتوزيعها على المحتاجين، وأخرى لمحاربة الفقر في محافظة «الغربية»، وثالثة لدعم الفقراء في محافظة «السويس»... وغيرها، يتساءل البعض عن سر هذا المسلك «الإخواني» للجماعة! البعض يرجح أنه ضمن شهر العسل الموقت بين الجماعتين، لكن آخرين يؤمنون بأنها صحوة من «6 أبريل» بعدما أيقن الجميع أن الوصول الى القاعدة العريضة من المصريين، وهي القاعدة نفسها التي تضخ ملايين الأصوات في صنادق الانتخابات، ينبغي أن يمر من بوابة الدعم الغذائي والنفسي، من خلال التواجد في المناطق المحتاجة! فريق آخر من الشباب المصري يرفع راية الصيف المعتادة، فبين فرص تدريب عملية اقتطع رمضان جانباً منها، سواء بتقليص عدد ساعات التدريب بسبب الصيام، ومتعة التصييف الشاطئي التي يلقي رمضان بظلاله عليها أيضاً، والسفر إلى الخارج للترفيه والتبضع، والتي يلقي عليها الاقتصاد المتأزم بظلاله، تجد هذه الفئةُ من الشباب نفسَها واقعةً بين شِقَّيْ رحى: مشقة الصيام في تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، أقسى شهور السنة حرارة وأقصاها من جهة، وحالة ال «سمك لبن تمرهندي» العامة، التي تعصف بالحياة اليومية من جهة أخرى!