يُعتبر شراء سيارة جديدة أو اقتناء مسكن لائق في لبنان، وتحديداً في بيروت، حلما بعيد المنال للغالبية العظمى من اللبنانيين، في ظل ارتفاع أسعار الشقق إلى مستويات خيالية وجمود الأجور عند الحدود الدنيا التي بالكاد تكفي لتغطية الحاجات الاساسية من صحة وتعليم وطعام. وكان اللبناني يجد بريق أمل عبر القروض الميسّرة، لكن تعميم "مصرف لبنان"، (البنك المركزي)، الرقم 273 جاء ليقضي على هذا الأمل، إذ حدد التعميم سقفاً للقروض السكنية أو الشخصية لا يتجاوز 75 في المئة من مبلغ القرض، ما يعني أن على المقترض دفع 100 ألف دولار نقداً لشقة يبلغ ثمنها 400 ألف دولار، وهو متوسط سعر شقة صغيرة نسبياً في بيروت. واشترط "المركزي" أيضاً ألا تتجاوز القروض السكنية والشخصية على أنواعها 45 في المئة من إيرادات الأسرة، منها 35 في المئة للقروض السكنية، و10 في المئة للقروض الأخرى، بينها السيارة والبطاقات الائتمانية. وتضاربت آراء الخبراء بين مؤيد للقرار اعتبر أنه يحمي المصارف من القروض المتعثرة، ويكبح جماح المواطنين الذين قد يستسهلون الاقتراض في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، وبين معارض اعتبر أن توقيت القرار خاطئ جداً ويأتي في وقت يشهد الاقتصاد انكماشاً، بينما على "المركزي" تشجيع الاقتراض لتحريك عجلة الاقتصاد. وقال الأمين العام ل "جمعية مصارف لبنان" مكرم صادر ل "الحياة" إن "القرار عادي جداً ومتبع في معظم دول العالم، وحتى مصرف الاسكان في لبنان يشترط على طالب القرض تسديد نسبة معينة من ثمن الشقة، وهذا اجراء طبيعي". وقال وزير سابق وخبير اقتصادي فضل عدم الكشف عن اسمه إن "معظم المصارف تتبع هكذا قرارات منذ فترة طويلة، وبعضها يُلزم طالب القرض بدفع أكثر من 25 في المئة من ثمن الشقة أو السيارة التي يرغب في شرائها"، مستغرباً هذه الضجة التي أثيرت حول الموضوع. وأضاف: "لا أعتقد أن هذا التعميم سيؤثر على حركة طلب القروض"، متسائلاً "عما إذا كان المركزي أصدر هذا التعميم لأن بعض المصارف يتهاون في التسليف ولا يُلزم طالب القرض بدفع نسبة مقبولة من ثمن الشقة أو السيارة". يُذكر أن إجمالي تسليفات الأفراد ارتفعت خلال السنوات الخمس الماضية إلى 14.7 بليون دولار نهاية العام 2013، أي نحو 28 في المئة من إجمالي التسليف للقطاع الخاص. بدوره، اعتبر الخبير الاقتصادي لويس حبيقة أن "توقيت التعميم خاطئ جداً، إذ تصدر هكذا تعاميم عادة خلال فترات الانتعاش الاقتصادي خوفاً من التضخم، ولكن الاقتصاد اللبناني يشهد اليوم انكماشاً، ما يتطلب تشجيع الناس على الاقتراض لتحريك العجلة الاقتصادية". وأضاف: "قد يكون هدف المركزي من التعميم حماية المصارف من التساهل في الإقراض، والمواطنين من استسهال الاقتراض، ولكن اللبناني كما المصارف يدرك مصلحته ووضعه، ولن يعمد إلى الاقتراض بما يفوق قدرته على التسديد، كما أن المصارف لن تكون أمام أي خطر طالما أنها تعود إلى دائرة مركزية المخاطر قبل إقراض أي شخص". وأشارت مصادر مصرفية إلى أن التعميم جاء في إطار تنظيمي إحترازي، إذ ينظم آلية تسليفات التجزئة التي ارتفع معدلها بما يؤثر على موازنة الأسر التي أصبحت ديونها للمصارف تتجاوز 50 في المئة من ايراداتها.