في إطار الهندسات المالية التي يرسمها لحماية الاستقرار النقدي والقطاع المصرفي من أي خضات سياسية وأمنية مفاجئة محلياً هذه السنة، خصوصاً أنهما تجاوزا كل الأزمات التي شهدها لبنان في السنوات الماضية، اتخذ مصرف لبنان المركزي خطوة جديدة بعد الركود المسجل العام الماضي في الاقتصاد، نتيجة التشنّج السياسي والأحداث الأمنية المتنقلة وتداعيات «الربيع العربي» والأحداث في سورية، بهدف تطويق أي أخطار على وتيرة النمو المتراجع أصلاً وسعياً إلى تحريك الركود. وقضت خطوة المصرف المركزي بضخ 2200 بليون ليرة (نحو 1.467 بليون دولار)، على شكل قروض للمصارف المحلية بفائدة واحد في المئة، لتسلّفها بدورها لتمويل إنشاء المؤسسات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة أو توسيع تلك القائمة، ولقطاع السكن بفائدة مخفوضة تتراوح بين 5 و6 في المئة. مع العلم أن القطاع المصرفي لا يحتاج إلى سيولة، وهي فائضة لديه لتمويل الاقتصاد اللبناني، إذ كشف رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه في حديث إلى «الحياة»، أن «حجم التمويل للقطاع الخاص في لبنان بلغ حتى الآن 42 بليون دولار». وقال «الخطوة تتمثل بإعطاء حوافز للتسليف الواسع والطويل الأجل بفائدة متدنية وبالليرة اللبنانية تحديداً». وأعلن طربيه، أن الهدف من مساهمة مصرف لبنان المركزي بتمويل ميسّر قيمته 2200 بليون ليرة «يشكل تنشيطاً إضافياً للاقتصاد اللبناني وتسريع وتيرة النمو، عبر تشجيع حركة التسليف، وتحديداً للقطاعات الإنتاجية والسكن والمشاريع الجديدة المتعلقة بالبحوث والطاقة المتجددة والمشاريع الصديقة للبيئة». وأكد أن ضخ هذا المبلغ «لا يعني افتقار المصارف إلى السيولة»، معتبراً أن «هذه الخطوة تندرج في إطار أهداف المصرف المركزي التي تُضاف إلى الاستقرار النقدي والمساهمة في إدارة الدين العام مع ضبط سعر الصرف والفوائد، وهي سبيل إلى تأمين التسليف الميسّر لتشجيع بعض القطاعات التي نعتبرها استراتيجية للاقتصاد». وإذا كانت المصارف جهّزت آلية لتواكب عملية الإقراض ضمن المعايير والشروط المحددة في التعميم، لفت طربيه إلى أن المصارف «ستتابع بالآلية ذاتها التي اعتمدتها في عمليات تمويل القروض من الاحتياط الإلزامي لدى «المركزي»، هذه الكتلة النقدية الكبيرة التي كانت محيّدة واستعملناها ضمن السقوف المحددة». ورأى أن هدف المصرف المركزي من «إقراض المصارف هذا المبلغ، الاستمرار في وتيرة التسليف القائمة سابقاً للاقتصاد بأسعار تشجيعية، بعد استنفاد تسليف الأجزاء المحررة من الاحتياط الإلزامي لدى المصارف لغايات التسليف التحفيزي للاقتصاد. كما اعتبر أن «حجم التسليف المصرفي للقطاع الخاص المنفذ العام الماضي ازداد بنسبة 10 في المئة، وشكل قاطرة النمو الاقتصادي الذي سجل 2 في المئة، على رغم تراجع بعض مؤشرات النشاط الاقتصادي، وتحديداً في السياحة، نتيجة الأوضاع في لبنان وتداعيات ما سُمّي ب «الربيع العربي». وشدد على أن المصارف «سجلت أداء جيداً وأمّنت السيولة، كما استمرت ثقة المودعين، بدليل تواصل تدفق السيولة في شكل طبيعي، ما أفضى إلى زيادة في الودائع نسبتها 8 في المئة، حيث بلغ مجموعها 125.6 بليون دولار في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2012». وأعلن طربيه، أن «تدبير مصرف لبنان يهدف الى تأمين موارد متدنية الكلفة يمكن الجهات المستهدفة تحمّلها، وكذلك الاقتصاد»، موضحاً أن أهداف المصرف المركزي «إنمائية وليست تجارية». وأعلن أن المصارف «ستنفّذ عملية التمويل على مسؤوليتها، بمعنى أن أخطار التسليف تقع عليها وليس على المصرف المركزي». وأشار إلى أن «الفوائد التي ستطبقها المصارف مربوطة بنوعية القرض، وفق ما نص التعميم، على ألا يتجاوز معدلها 6 في المئة سنوياً. كما طلب التعميم من المصارف تقديم ضمانات كافية للمركزي، في مقابل هذه التسليفات الميسّرة». وأشار إلى «تخصيص 80 بليون ليرة (53 مليون دولار) لمصرف الإسكان، من مجموع المبالغ المتعلقة بهذا التعميم، بشرط ألا تتخطى الفوائد والعمولات المحسوبة على القروض السكنية نسبة 3 في المئة. ورفع سقف القرض السكني إلى 800 مليون ليرة (530 ألف دولار)، والمستفيدون هم من أصحاب الدخل المحدود والقطاعات التي تنشط الاقتصاد بسبب انعكاساتها الإيجابية على البيئة والنمو». وإذا كان يتوقع طلباً على هذه القروض في ظل الركود الاقتصادي، أكد طربيه ثقته في «استعمال هذا التسليف في أسرع وقت، وهو متروك للتنافس بين المصارف»، مشدداً على أن الاقتصاد اللبناني «لا يزال يعمل ولو تعرض لبعض الانكماش، وتحديداً في القطاع السياحي، كما تستمر القطاعات الأخرى في إنتاجها». وأعلن أن القطاع المصرفي «لم يقصّر تجاه أي قطاع في لبنان»، مشيراً إلى أن «حجم التسليف المصرفي للاقتصاد بلغ 42 بليون دولار، أي ما يوازي تقريباً الدخل القومي في لبنان، وهذه النسبة غير مألوفة في بلدان أخرى». وإذا سُجل تعثر في التسديد من أي قطاع، طمأن إلى أن النسبة «محدودة وغير مؤثرة على الكتلة التسليفية الكبيرة في السوق». السوق السورية وعن انتقال رؤوس أموال سورية إلى المصارف اللبنانية، أوضح طربيه أن «انتقالها يكاد يكون متعذّراً نظراً إلى الوضع النقدي في سورية». وعن نشاط المصارف السورية التي تساهم فيها مصارف لبنانية، لفت إلى أنها «تعرضت لما تعرض له الاقتصاد السوري»، مشيراً إلى أن «السلطة النقدية اللبنانية طلبت تكوين مؤونات على محفظة التسليف في سورية، فحمى القطاع اللبناني نفسه من ذيول الأضرار في سورية». وأكد أن المصارف اللبنانية «تمكّنت من استيعاب خسائرها في سورية المقدرة ب 450 مليون دولار، من خلال تكوين المؤونات الآنفة الذكر وإبطاء حركتها التسليفية وخفض جذب الودائع في السوق السورية».