عندما تحطّ رحالك في بلد من البلاد المتقدمة حضارياً، سواءّ في البعيد عنا أو القريب، يشدّك المستوى الرفيع لنظافة المرافق العامة والطرقات، وتتعجب أكثر عندما تكون هذه البلدان تطبق توجيهات ديننا الحنيف بشأن النظافة، وهي غير مسلمة، بينما نحن المسلمين، منتكسون في هذا الشأن رأساً على عقب، حينها تتساءل، أين الخلل؟ نحن ندرك تماماً أن الدولة لم تألُ جهداً في دعم أمانات المناطق وبلديات المحافظات بالموازنات الكبيرة، وتقوم هذه الجهات بتأسيس العقود مع الشركات المتعهدة بالنظافة بمبالغ فلكية، لكن الواقع في بعض المحافظات لا يعكس صورة مضيئة على الإطلاق، وتبقى متحسراً متألماً لهذا الواقع وأنت في محيطه وتشاهده على الدوام، نعم اليد الواحدة لا تصفق أبداً، ما لم يكن ثمة تعاون من المواطن والمقيم بحكم الشراكة المجتمعية، مهما ازدحمت المبالغ وفاقت جودة الشركات المتخصصة، فهذه تبني والأخرى تهدم وهذا لا يستقيم أبداً. النظافة من الدين، وبالتالي لا بد من إيجاد ثقافة متحركة لها ونشرها بين الناس، وتكثيفها في مختلف الميادين، ميادين العلم والرياضة بشكل خاص، من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وسنّ قوانين صارمة تطال الكل ممن لا يحترمها، لأن هذا الأمر ذات صلة بحياة البشر وسلامتهم من الأمراض والأوبئة ومتعدي الضرر. سبق أن كتبت مقالاً بعنوان «جدة تصرخ إني أمرض»، تحدثت فيه عن مستوى النظافة المتدني والمخيف في محافظة جدة، وقلت فيه إن علامتين فارقتين في جدة لا ينازع فيهما منازع، الأولى: كثرة أكوام النفايات المتراكمة في معظم أحياء جدة، والثانية كثرة الحفر والسيارات التالفة في الشوارع والأحياء، حتى قلت لا بد من تبديل العبارات المشهورة عن جدة! أعود للموضوع ذاته، لخطورته مع أن «الضرب بالميت حرام»، لكنها محاولة من باب «لعلّ وعسى»، ولأني أعيش - في الغالب - بحكم طبيعة عملي بين الرياضوجدة، مناصفة، ستة أشهر هنا وأخرى هناك، رأيت أن أعمل مقارنة بين مستوى النظافة بين الرياضوجدة، كانت في مصلحة الأولى، دعونا صرحاء في ما نطرح من دون مجاملة، فكثيراً ما انتقدت في مقالاتي أمانة مدينة الرياض في مواضيع كثيرة، أخْفقتْ في القيام بها على وجهها المطلوب، المهم أن يكون النقد لذاته وليس لغيره، وهذا ما ندندن حوله من دون تعدٍ، مستوى النظافة في مدينة الرياض في الآونة الأخيرة، تحسن كثيراً، لم نلحظ تدنياً مخيفاً بمستواه، كما الحال عند نظيرتها «جدة»، الرياضوجدة عينان في رأس، الرياض عاصمة بلادنا السياسية، وجدة بوابتها للعالم الإسلامي. اسمحوا لي يا أحبابنا أهل جدة وزوارها في طرح هذا السؤال: هل أنتم راضون عن مستوى نظافة مدينتكم؟ متأكد أن حالها في معظم أحيائها لا يسر أحداً، فقط هي أحياء قليلة جداً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة أو أقل، هي التي تعد نظيفة والاهتمام بها ملاحظ، أما غيرها فلا تنشد عن الحال، أكوام من النفايات وشوارع كلها نفايات متناثرة، وحاويات النفايات تكون أحياناً فارغة وتالفة، بينما جوانبها تحفها النفايات بسبب من يقوم بنبشها. في جدة أبداً لا يكفي مرور سيارة نقل المخلفات مرة واحدة في اليوم، لأن نظام السكن في جدة غير الرياض، في جدة الأحياء مكتظة بالسكان، بحكم نظام الشقق للعمارة الواحدة داخل الحي السكني، لا، لا، وألف لا، واقع جدة مخيف ولا يسر، أعجب من تجاهل أمانتها، لموضوع النظافة، جدير بمسؤوليها أن يزوروا دبي أو الشارقة على الأقل – وهم بالتأكيد رأوهما وأنظف منهما - ليروا الفارق الواسع، مخجل جداً أن تكون بقعاً في بلادنا، بلاد الخير والنماء والعطاء، بهذه الصورة المشوهة، هل يرضي المسؤول بأمانة جدة هذا الواقع المؤلم في منزله، في شارعه، في حيه؟ يا ترى من لجدة... جدة تنشد عن الحال!... ودمتم بخير. [email protected]