قبل عام مضى، رصد ديوان المراقبة العامة قصورا في مستوى نظافة جدة، وكذلك في شروط ومواصفات العقود المبرمة بين الشركات والأمانة، كما ألزم الديوان أمانة جدة بتغيير بنود عقودها مع هذه الشركات. كما لاحظ الديوان ضعف المراقبة والمتابعة من جانب الأمانة على شركات النظافة وآلية العقود. ملاحظة الديوان لم تأتِ من فراغ، فمن المؤكد أنه لاحظ المستوى المتردي الذي وصلت إليه حالة النظافة في جدة، إضافة إلى رصد الصحافة والإعلام بالكلمة والصورة ما وصل إليه الحال من سوء ينذر بكارثة بيئية وأمراض مختلفة. والظاهر أن الأمانة تعمل بالحكمة القائلة «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب»، ملتزمة الصمت التام عن كل ما يكتب عنها في الصحف من سلبيات وهي كثيرة، أو تحاول تصحيح الصورة القائمة التي غدت عليها شوارع جدة وحواريها؛ حتى أن المواطن الذي استبشر خيرا برصد الديوان لإهمال الأمانة في نظافة جدة لم يلحظ استجابة الأمانة ومسؤوليها لهذه الملاحظات، فاستمر الوضع من سيئ إلى أسوأ. فمع الأيام زادت نسبة عدم النظافة وفاقت كل التوقعات والمعايير، قناطير مقنطرة من الزبالة تتكوم أمام كل منزل وفي كل حارة وشارع، الأتربة والأوراق وأكياس النايلون عدوة البيئة ترقد بجوار الأرصفة وتحت الكباري المظلمة والكئيبة بإضاءتها الرخيصة والمحروقة والكتابات الطائشة التي تزين أعمدتها الإعلانات التي تعلق على هذه الكباري بطريقة بشعة تزيد من كآبة المنظر وسوء التنظيم. تحت هذه الكباري تجد علب مشروبات غازية وقوارير صحة فارغة وأكوام أتربة ناعمة مختلطة بعوادم السيارات وما يرميه السائقون من بقايا سياراتهم وفضلاتها. في كل يوم تطالعنا الصحف بمناظر سوداوية عن حجم الزبالة وتراكم الأوساخ واختلاطها بمياه الطفح والبيارات زادتها حفر الشوارع التي تملأ الحواري والأحياء في جهات جدة الأربع، يتساوى في ذلك الشمال مع الجنوب والشرق مع الغرب. الأراضي الشاسعة التي حددها أصحابها بأعقام ترابية لا عمروها ولا استخدموها أصبحت تزيد من مشكلة النظافة، فكل المخلفات ترمى إليها ليتخذها الكلاب والقطط والهوام سكنا لهم يعيشون فيها ويتكاثرون على بقاياها. ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي صورة مزرية لحي الوزيرية وهو يغرق بين أكوام النفايات والبالوعات، وقد حمل عدد من الناشطين البلدية المسؤولية، وأن كل عامل همه الأول جمع العلب الفارغة والكراتين النظيفة لبيعها، مضيفين أن جدة كلها قمائم، مؤكدين أن تراكم هذه النفايات يسبب الكثير من الأمراض وانتشار الحشرات، وما الوزيرية إلا مثال حي لواحد من أحياء جدة. عنونت الحياة (18145) أن عقود النظافة الجديدة تقدر ببليوني ريال لمدينة جدة، وتحت العنوان سجلت بالكلمة والصورة تكدس النفايات يحول أحياء العروس إلى وجهة للقطط والفئران؛ نتيجة تكدس النفايات والزبالة في كل مكان. أكدتها «عكاظ» (16906) بأن فيضانات النفايات تدهم الجنوب والأهالي متخوفون من العواقب الوخيمة. إن مسؤولية الأمانة تتضاعف أمام قوة إمكاناتها المادية وما وفرته لها الدولة والواقع المزري لشوارع جدة، فهي لم تأخذ تحذيرات الديوان كما يجب، وصك المسؤولون فيها آذانهم عن ملاحظاتها، ولو حصل للحظناه على أرض الواقع. الإهمال طاول كل جزء في جدة نتيجة انعدام الرقابة، فالشوارع أنوارها مضاءة نهارا مطفأة ليلا، أو نصف الشارع مضاء ونصفه الآخر محروق الأضواء بين عامود مائل وآخر مشوه خرجت أسلاكه (آيل للسقوط)، تمر الشهور بل والسنوات والأمانة لا تغير من هذا الواقع شيئا، مما يفاقم من حجم المشكلة على طول الكورنيش يقوم البعض بعمل شاي وقهوة على الحطب، ويترك المكان وقد ملئ بالأوساخ والقاذورات في منظر غير حضاري، وفي زمن اختفى فيه الحطب حتى من بيوت الشعر. كل حي له أمانة فرعية من المفترض أن يمر مراقبوه ليشاهدوا مدى الاستهتار الذي يمارسه السكان تجاه الشوارع، دورة حول أي متجر كبير تراه يستغل كل الأرصفة والمواقف لتخزين كراتينه وغسل أدواته ورمي مخلفاته وإشغال أرصفته دون جهة تفرض غرامات على هذه المخالفات وتنذر وتهدد بقطع الخدمات عن كل مخالف. سيارات تالفة تقف بالشهور في الحواري تلم تحتها النفايات وتسكن فيها الكلاب والفئران المهاجرة من الكورنيش، كل أحياء جدة تعج بالقمامة وأكوام الزبالة. أين الأمانة؟!! أين الميزانية؟!! أين المراقبون؟!! أين ملاحظات الديوان؟!!.. الناموس يعيش في مياه الصرف الصحي والفئران داخل الحاويات وفي السيارات العطلة، القطط والكلاب الضالة تمرح في الأرض البيضاء لا أسوار تردهم، الأفارقة يغوصون ليل نهار داخل الحاويات والأمانة كل همها تغيير الأرصفة في شوارع جدة. [email protected]