بعد مضي أكثر من ستة شهور على انطلاقها اواخر كانون الاول (ديسمبر) العام الماضي، فقدت التظاهرات العراقية في الأنبار وسامراء وصلاح الدين الكثير من زخمها، على رغم انها لم تتوقف ولم تغير مطالبها، أو ربما بسبب ذلك. وإلى تجاهل الحكومة المعتصمين الذي تجلى منذ الأيام الاولى، إلا عندما يخرجون عن سلميتهم، فإن الأقطاب السياسيين المعنيين مباشرة بالتظاهرات استنفدوا غاياتهم منها، مع نهاية الانتخابات المحلية، فيما غاب صوت مرشدها الروحي الشيخ عبد الملك السعدي. وقد اكتفى بعض الأحزاب المؤيدة للتظاهرات بإعلان الحكومة اطلاق نحو 4 آلاف معتقل والعمل لإجراء تعديلات على قوانين اجتثاث البعث والإرهاب، وهي من مطالب المتظاهرين. وأقر عضو مجلس عشائر الأنبار الذي يدعم المعتصمين عبد الحميد العاني ان زخم التظاهرات تراجع عما كان عليه خلال الشهور الماضية، لكنه يؤكد ان هذا التراجع يقتصر على الايام العادية، ويعود إلى طبيعته أيام الجمعة. وأكد العاني ل «الحياة» ان بعض القوى السياسية (من دون ان يسميها) انسحبت من التظاهرات بعد انتخابات المحافظات، وهي مشغولة اليوم بعقد تحالفات لتتولى مسؤولية المجالس المحلية. والإشارة هنا إلى كتلة «متحدون»، بزعامة رئيس البرلمان اسامة النجيفي، وهي تجمع منشقين عن القائمة «العراقية» التي كانت تضم «الحزب الاسلامي» وهو الفرع العراقي لحركة «الاخوان المسلمين». وتؤكد نتائج انتخابات المحافظات ان «الاسلامي» حصل بالفعل على نتائج جيدة في الانتخابات في المدن السنية وبغداد، في إطار «متحدون» التي فازت بالمركز الاول في الانبار والثاني في الموصل وديالى وصلاح الدين، وفي العاصمة. ومع انسحاب الاحزاب من التظاهرات بات شعار «الاقليم السني» الذي كان «الحزب الاسلامي» وعدد من قادة كتلة «متحدون» ابرز الداعين اليه، خارج مطالب المتظاهرين، بعدما كانت ساحات الاعتصام تشهد بشكل يومي سجالات بين دعاة الاقاليم ومعارضيهم. وأثر هذا الانسحاب سلباً في الدعم الذي كان يحصل عليه المتظاهرون، على المستويين المادي والإعلامي. وأكد العاني ان «رعاية ساحات الاعتصام والتظاهرات وتوفير حاجات المتظاهرين ومأكلهم باتت مهمة مقتصرة على تبرع شيوخ العشائر». انسحاب القوى السياسية، على ما يقول متظاهرو الأنبار تبعه انسحاب بعض رجال الدين التابعين للأحزاب، بعدما تصدروا منابر الاعتصامات خلال الشهور الماضية. ومع ان الظروف المناخية الصعبة التي تصاحب فصل الصيف في العراق، وتواصل العواصف الترابية، خصوصاً ان ساحات الاعتصام تقع على اطراف الصحراء، أثرت بشكل واضح في حجم التظاهرات، الا ان عدداً من كبار زعماء العشائر ما زالوا حاضرين بقوة. لكن غياب صوت مؤثر وملهم للمتظاهرين كصوت الشيخ عبد الملك السعدي كان له الأثر الأكبر في تراجع زخم المتظاهرين. ولم يصدر السعدي منذ 22 حزيران (مايو) الماضي اي بيان، بعدما ناشد خاطفي جنود بإطلاقهم، ومنذ ذلك اليوم غادر الى تركيا لإجراء جراحة في قدمه، فيما نشر موقع على الانترنت بياناً للشيخ عبدالحكيم عبدالرحمن، المقرب منه يحذر المتظاهرين من «مبالغ ضخمة يتم صرفها، بالتنسيق مع بعض المسؤولين، لأصحاب النفوس المريضة (...) لإجهاض ثورتكم المباركة من طريق تشكيل وفود للتفاوض مع الحكومة تنبثق من مؤتمرات مشبوهة». ويبدو ان تشتت اصوات المتظاهرين وزعماء العشائر وتشكيل الوفود التي تزعم انها تمثلهم وتتحدث باسمهم مع الحكومة، أفرز حالة من الارباك في صفوف المتظاهرين الذين لم يتفقوا حتى اليوم على ممثل للحديث باسمهم سوى الشيخ عبد الملك السعدي نفسه. ذلك الارباك قرأته الحكومة باعتباره نهاية لمرحلة الاحتجاج، فلم تعد تشير اليه، كما انها لم تعد قلقة من تداعياته، حتى انها تجاهلت وعودها بإعلان نتائج التحقيق في مجزرة الحويجة التي وقعت في نيسان (إبريل) الماضي.