في بداية الشهر الماضي وجه وزير التربية والتعليم تعميماً لجميع إدارات التربية والتعليم في المملكة، يقضي باعتماد جملة من الضوابط والاشتراطات التي من شأنها تنظيم أنشطة اللياقة الصحية في مدارس البنات الأهلية، وذلك بتوفير أماكن ملائمة ومجهزة ومعدة خصيصاً لهذا الغرض، مع الالتزام بالزي المحتشم، وهذا بعد الاستناد على فتوى الشيخ عبدالعزيز بن باز التي تجيز الرياضة النسائية وفق الضوابط الشرعية التي تقتضي اللباس الساتر وعدم الاختلاط بالرجال. يوم الإثنين الماضي نشرت صحيفة «الحياة» خبراً عن محتسبين قاموا بالتجمع أمام وزارة التربية والتعليم مطالبين بإلغاء قرار السماح بمزاولة الرياضة في مدارس البنات، بدعوى أن القرار يتعارض مع عادات المجتمع السعودي وتقاليده. من هنا يمكن أن نلاحظ أنهم يستندون على العادات والتقاليد لترسيخ حقهم في هذا الاحتجاج الذي صبغوه بصبغة دينية، في حين أنهم في الأصل لا يستندون على مرجع ديني صحيح، الذي يفعلونه اليوم يشبه كثيراً ما فعله أسلافهم الذين أورثوهم الذهنية نفسها، فبعد التحول الثقافي الذي اقتضى كثيراً من الصور في عهد الملك سعود، وأهمها فتح المدارس لتعليم البنات، أثار هذا الأمر استياء المحتسبين آنذاك، وذهبوا للملك يطالبونه بإقفال المدارس وإلغاء قرار التعليم للمرأة للحجة نفسها التي يقال إنها مخالفة للتقاليد، فالتاريخ يعيد نفسه، غير أنه من الغريب أننا نصل إلى هذا الزمن ولازلنا نفتقر للتنوير والعمل بالدين في تحرير الناس من الجهل والتعسف الذي لا يزال ينصب العادات كمصدر للتشريع فوق سماحة الدين واعتداله. مع أنه من المفترض أن يكون القرار الذي أصدره وزير التربية والتعليم شاملاً لجميع المدارس الحكومية والأهلية، إلا أنه لم يختص إلا بالمدارس الأهلية فقط في الوقت الحالي، ومن جهة أخرى فاعتماد هذا القرار لدى أي مدرسة يستوجب عليها أن تستوفي الشروط والضوابط أولاً قبل تطبيق القرار، وهذا كافٍ للاطمئنان على وضع الفتيات اللاتي يرغبن في مزاولة أنشطة اللياقة الصحية في المدارس. ليس من المعقول أن توضع المرأة وشؤونها محور كل نقاش تعترض عليه هذه الفئة التي أرهبت المجتمع بكل ما تحمله من الفكر المتعسف والرجعي والعدائي، خصوصاً في المفاهيم والأنساق المتحفظة في شأن المرأة، ففي الأيام الماضية كانوا سبباً في إغلاق بعض الأندية والمراكز الصحية النسائية، واليوم يحتجون على قرار الرياضة في المدارس، من حيث لا يبدو لدينا أي سبب مقنع لهذا الرفض. أصبح تطبيق الشريعة لدى البعض ضائعاً بين ما تمليه الأفكار المترسبة من العقود الماضية التي لا تنظر للحياة بالدين إلا من أضيق الزوايا، وبين معاصرة الحياة المدنية وصعوبة الاندماج فيها، فما يفعلونه لا يعبر أبداً - في رأيي الخاص - عن أي شكل من أشكال الضبط الاجتماعي، إنما هو التضييق بعينه والتدخل في أدق خصوصيات الناس وأساليب معيشتهم، فهل يمكن بالفرض النظامي إسكات هؤلاء في حال أن يتوفر للنساء والفتيات في بلادنا حياة طبيعية وآمنة، وفق الضوابط الشرعية أيضاً، وتكون آتية من المنطلقات نفسها التي تقاس بها حاجات الإنسان الطبيعي، بعيداً من إرهاب بعض المحتسبين؟ [email protected] @alshehri_maha