جاء إعلان الادارة الاميركية عن دعم المعارضة السورية عسكرياً، بعد تأكدها من استخدام النظام للسلاح الكيماوي، حذراً ومنخفض السقف في مضمونه، على رغم تطرف عنوانيه العريضين. فالسارين قتل 150 شخصاً فقط، وهو رقم لا يعتد به كثيراً في قضية حصدت ما يزيد على المئة ألف ضحية. كما أن الأسلحة التي سيتم تقديمها أسلحة متوسطة وخفيفة. ونعتقد أن ذلك يأتي ضمن خطة اوسع للإدارة الاميركية والغرب لوضع الحالة السورية تحت السيطرة، بتقليم أضافر كلا طرفي الصراع، وتحطيم أوهام من يحلمون بالحسم العسكري، تمهيداً لإرغامهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. إن اعلان اوباما عن تخطي النظام للخطوط الحمر التي وضعها له، هو في الوقت عينه نقطة اللاعودة في موقفه من النظام السوري، وهو تورط تام لإدارته في القضية السورية، لن يكون بإمكانها التنصل منه تحت أي ظرف، وقد استعدت له جيداً من خلال المناقلات الداخلية في الإدارة وبخاصة تعيين سوزان رايس مستشارة للأمن القومي وهي المعروفة بنهجها الهجومي في القضايا الخارجية، وتعيين سامانثا باور مندوبة في الأممالمتحدة وهي المعروفة بتحمسها الشديد للتدخل الأميركي الإنساني. ويبدو أن حصيلة الصمت والتفكير الأميركي لا بد من أنها أثمرت خطةً ما طرحت عنوانها الرئيسي، لكن أجزاءها الأكثر حساسية ظلت طي الكتمان. يخطر للأميركيين، أول ما يخطر، حين يفكرون بالشرق الأوسط، الإسلاميون المتشددون، ويضعون نقطة هنا ويحترزون جيداً. وهم بالتأكيد وضعوا الكثير من الخطوط الحمر بعد التجييش الديني المذهبي الواسع النطاق بُعيد الهجوم على القصير من جانب قوات «حزب الله»، وتعالي النبرة المذهبية إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ الحديث، وما يمكن أن تضيفه من دعم للجماعات الجهادية التي تعمل في سورية. ونميل الى الاعتقاد بأنهم قرروا أن يحيّدوها في هذه المرحلة الأولى من خلال دعم بقية الفصائل، بخاصة هيئة الأركان، بما يكفيهم ليتفوقوا على تلك الجماعات من ناحية التسليح، وليحققوا بعض الإنجازات التي تحسب لهم عسكرياً وشعبياً، ويستثمر كل ذلك بطرق عدة، بخاصة من الناحية الإعلامية، للحصول على شرعية ما لتلك القوى والسيطرة على الأرض، وتقليص نفوذ الجماعات الجهادية وشرعيتها، التي اكتسبتها من خلال مقارعة النظام وحماية السكان. وهو أمر سيؤدي لا محالة إلى تصادم الفريقين، وبالتالي تحصل الإدارة الاميركية والغرب على خصم حيوي للإسلاميين داخل البلد، وعندما يتم دعمه بسوية أعلى من السلاح سيكون الفرز قد حصل في شكل واضح ولا يبقى أي مجال للّبس في من يذهب إليه السلاح المتطور، وقد تكتمل هذه المعركة أو لا تكتمل، لكن لدى الوصول إلى مستوى جيد من القوة والتمركز في صفوف القوى المقاتلة غير الإسلامية يمكن الانتقال، وبطريقة لا يمكن روسيا أو الصين الاعتراض عليها، إلى المرحلة التالية وهي إسقاط النظام، أو إرغامه على الدخول في مفاوضات مع طرف وازن ومتحد وواضح في توجهاته. لكن قبل ذلك، لا بد من أن تحصل الإدارة الأميركية على ضمانات كافية من القوة التي أنشأتها حول نقطتين أساسيتين وهما: أمن إسرائيل ومستقبل العلاقة معها، وعدم حصول عمليات انتقام واسعة النطاق ضد العلويين والشيعة. وقد عبر أوباما في نهاية اجتماع قمة الثمانية عن هذا التوجه بقوله للصحافيين: «إن من المهم بناء معارضة قوية في سورية يمكنها العمل بعد خروج بشار الأسد من السلطة». ولا بد من أنه قال لبوتين سراً تفاصيل أكثر دقة عن كيف يريدون أن يفعلوا ذلك، وهو أمر لا نستبعد أن بوتين وافق عليه أيضاً، وأما شكواه من «آكلي لحوم البشر» وتحذيره منهم فهو يصب في السياق السابق ذاته، فيما تصب تصريحاته الأخرى في مجرى المصلحة الروسية الخاصة مع إيران في المرحلة الحالية، على أن تتم مواجهتها بالحقيقة الكاملة عندما يحين أوانها. وفي الوقت عينه نعتقد بأن إيران ليست بعيدة من الاستعداد أو التوقع لمثل هذا السيناريو، فنجاح الشيخ روحاني الساحق، بدا تماماً أنه من صنع المرشد، الذي وضع وجهاً تصالحياً مرناً ليحصد ما زرعه المحافظون عبر تشددهم من خلال المفاوضات. وإيران لم تعد تتحمل الضغط الداخلي والإقليمي الذي تسبّب به موقفها الداعم بشدة للنظام السوري، بل لم تعد تتحمل الضغط الروسي ذاته، إذ لا يمكن عاقلاً أن يتصور أن بوتين يقف بكل هذه الشراسة إلى جانب إيران وحليفها السوري بلا مقابل. إذا كانت الأمور ستسير وفق هذا التصور، فإننا لا نعتقد بأن ثمة حلاً قريباً للأزمة السورية، وهي ستسير بخطى وئيدة نحو عام 2014، حيث تنتهي ولاية بشار الأسد، كما تريد إيرانوروسيا، وليس في مقدور سلاح أميركا، ولا مالها، أن يزحزحا الكيانات الجهادية في سورية بتلك السهولة التي تصوروها، أو صوّرها لهم البعض. فبعد سنتين من القتال العنيف الذي خاضته تلك الجماعات والتغلغل في تفاصيل حياة الإنسان السوري، فإن تلك الكيانات لن تستسلم بسهولة، ولن تتمكن القوى التي تنهج نهجاً معادياً لها من انتزاعها من الأرض إلا بعد أن تتحول تلك الجماعات الجهادية إلى جماعات تكفيرية، في حالة عداء سافر وقطيعة مع المجتمع، وعندها ستضطر للانسحاب منه والتحول إلى تهديد كامن. لكنها لن تنسحب منه قبل أن تمزقه بحرب أخرى. * كاتب سوري