احتفل برنامج «إربت تنحل» على قناة «الجديد» اللبنانية، بالسنة العاشرة له. شاء لاحتفاله أن يكون على مقدار متنوع من الفقرات التمثيلية والغناء الناقد والزجل، وما يشبهها من أنماط تمثيلية وغنائية، عارمة بالنقد السياسي اللاذع. لم تخلُ الحلقة طبعاً من إشارات وإيحاءات، تخلط السياسي بالاجتماعي، والعام بالشخصي، اتكاءً على المزاج الشعبي اللبناني النبيه الذي يلذّ له أن يحيل اللفظ إلى غير معناه، والموقف إلى التباساته، ويقدم رؤيته الجادة سياسياً، ممزوجة بالنكتة والهزل والخفة. عبر سنواته التي بلغت عقداً كاملاً من السنوات، استطاع برنامج «إربت تنحلّ»، أن يكون برنامجاً أسياسياً في نوعه وسياقه، بخاصة أنه كان من المؤسسين في هذا الاتجاه الذي لا يبتعد كثيراً عن مسرح «الكباريه السياسي»، الذي اشتهرت في مجاله القنوات اللبنانية، والتي كانت سباقة ومؤسسة عندما استطاعت اختراق جدار النقد السياسي، بجرأة غير معهودة، وغير مألوفة، في العالم العربي على اتساعه، العالم العربي الذي اعتاد وضع الكثير من الخطوط الحمر، أمام ما ينبغي أن يُقال، وما يمكن أن يتم تناوله. في «إربت تنحلّ»، ثمة كثير من مقوّمات البرنامج التلفزيوني الكوميدي الناجح. خفّة الدم، ذكاء اللقطة، نباهة الفكرة، المزج ما بين الموقف التمثيلي والحالة الغنائية والاسكتش الاستعراضي. هذا كله اتكاء على إبداعات ممثلين وممثلات يجيدون صنعة التمثيل، ومهارة التقليد، وقبل هذا ومعه إبداع من يقوم بكتابة الفقرات، وتأليف كلمات الأغاني التي تعتمد صيغة التحوير في كلمات الأغاني الأصلية، لتتحول مما كانت عليه أصلاً، من أغانٍ طربية أو رومانسية أو فولكلورية، إلى قطع نقدية، سلاحها الأساس الكلمات اللاذعة. صحيح تماماً أن برنامج «إربت تنحلّ» هو ابن شرعي لبرامج سابقة عليه، أسّست لهذا الشكل البرامجي، سواء في الإذاعة أم في التلفزيون والمسرح. وصحيح أيضاً أنه يتوازى مع أمثاله على قنوات لبنانية أخرى، ويكاد يتشابه إلى حد كبير. ولكن يستحق برنامج «إربت تنحلّ» وقفة تشيد بالجهود المبذولة فيه، وبقدرته على التواصل والاستمرار على رغم الفخاخ المنصوبة التي يمكن أن تطبق عليه، بخاصة مع ملاحظة ما ذهب إليه البرنامج من تناول المواقف والشخصيات والأفراد والمجموعات والأحزاب والقوى، إلى درجة أنه ينثر سهامه النقدية يمنة ويسرة. وفي وقت يمكن بعضهم التحفّظ عن بعض ما يقدّمه البرنامج، من تناول بصورة ساخرة لقضايا كبرى أو شخصيات معروفة، انطلاقاً من أن ثمة من القضايا ما لا يحتمل المزاح بصددها، وثمة من الشخصيات من لا تتقبل النقد والسخرية إزاءها، فمن اللائق القول إن «إربت تنحلّ»، وما يشبهه من برامج ما هو إلا فسحة من «حرية لعب»، قد لا تكون متاحة إلا في لبنان، ومع ذلك فهو قد يكون متنفساً لمشاهدين عرب، مختنقين، ينتشرون على ما هو أوسع من حدود لبنان.