الكتاب:الأعمال الشعرية للشيخ يونس القاضي المؤلف: جمع ودراسة وتحقيق نبيل بهجت الناشر: فرقة ومضة 2012. لا يمكن نسيان أن أحد الشعراء الذين كتبوا الزجل الساخر والسياسي، والأغاني العاطفية والاجتماعية والمسرح الغنائي هو المسؤول عن التعبير عن وجدان المجتمع المصري في العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين الماضي. فقد صدر عن فرقة ومضة كتاب " الأعمال الشعرية للشيخ يونس القاضي " جمع ودراسة وتحقيق د./ نبيل بهجت. ويقع الكتاب في أربعة أقسام ، الأول مقدمة ودراسة لنموذجين للمسرح الغنائي عنده وهما مسرحيتا " كلها يومين " التي قدمتها فرقة منيرة المهدية عام 1921، و " مال الكنزي للنزهي " والتي كتبها شعراً ونشرها في مجلة " النيل " عام 1921 أيضا وحاولت الدراسة الوقوف علي خصائص المسرح الغنائي والشعري عنده ، وقدم القسم الثاني معظم قصائده المنشورة في الدوريات المختلفة مثل ( شوارع العاصمة وصف رأس البر ومصر جنة والنيل كوثر وطلعت المحمل وبعض المسرحيات الشعرية مثل مال الكنزي للنزهي......) أما القسم الثالث فتناول الأغاني العامة والأناشيد مثل نشيد " بلادي بلادي " وتلك الأغاني التي وصفتها مجلة " الصباح " بالخليعة مثل "ارخي الستارة اللى ف ريحنا" و"استني علي شوية" و"كله الا كده" ، أما القسم الرابع فضم الأشعار المسرحية لقد كان القاضي واحدا من الذين آمنوا بضرورة خلق كل ما يدعم الشخصية المصرية وأخذ دور المربي والمعلم والناقد وهو ما نجده في قصائده المختلفة ويكفيه أنه شارك في ثلاث ثورات مختلفة من خلال كلمات نشيده الخالد بلادي بلادي ويقدم هذا الكتاب قصائده المنشورة في الدوريات المختلفة، كما سعى لتقديم نصوص أغانيه المسرحية والتي مازال العديد منها على هيئة مخطوطات بالمركز القومي للمسرح . ويعد الشيخ محمد يونس القاضى(1888-1969) واحداً من الرواد الذين أثروا الحركة الثقافية في بداية القرن الماضي، فعُرِفَ كزجال وصحفي وكاتب للمسرح. حيث بدأ حياته صحفياً في جريدة المؤيد واللواء وكتب للعديد من الصحف المعروفة آنذاك، كما نُشرت أزجاله في العديد من الصحف والمجلات، كالسيف والمسامير والكشكول واللطائف المصورة وإياك والعروسة، وغيرها من الصحف والمجلات التي مثلت المصدر الرئيسي الذي اعتمد عليه هذا الكتاب، ولقد لاحظتُ ازدياد نشاطه في النشر والتأليف في عشرينيات القرن الماضي، فقمت بجمع أعماله أقدمها للقارىء، خاصة وأن تلك الفترة حملت آمال وأحلام الشعب في التخلص من الاستعمار والاستقلال في إدارة شؤون البلاد وآلامه، إذ لم تؤتِ ثورة 1919 الثمار المرجوة منها وبدا ذلك واضحاً في رحيل وزارة سعد زغلول واستثمار إنجلترا لحادث مقتل السير لي ستاك الذي يؤكد البعض أنه من تدبيرها لفصل السودان عن مصر في عهد الوزارة السعدية، إلا أن سعد زغلول آثر أن يقدم استقالته على أن يرتبط اسمه بهذا الحدث، وخرج من الوزارة وقد حاز الإنجليز مكاسب جديدة تضاف إلى مشروعهم في تحجيم وتقليص النفوذ المصري الذي بدأ منذ محاصرة محمد على واستمر حتى الآن. لقد كانت كل هذه الهزائم المعنوية دافعا للحركة الوطنية والمثقفين آنذاك، فمنهم من آثر العودة إلى التراث الشعبي هروباً من الواقع المظلم وبحثاً عن حلول لأزماته، ومنهم من التزم النقد الاجتماعي في محاولة لرد المجتمع لقيمه الأساسية ومواجهة تيار التغريب الذي فرضه المستعمر آنذاك، وإن لم تَخْلُ كتاباتهم من بعض التلميحات والتعريض ببعض الشخصيات والتعليق على بعض الأحداث الجارية، وارتفعت الأصوات تنادي بضرورة إيجاد المسرح المحلي والكف عن التعريب والترجمة من الغرب، وضرورة التأليف عن البيئة المصرية والأخلاق والعادات الشرقية. وكان الشيخ يونس القاضي من أوائل من استجاب لهذه الدعوة وتحمس لها ولقد أشار في حواره مع مجلة المسرح الذي نشر تحت عنوان "المسرح المحلي" إلى أسلوبه ومنهجه، فيقول: " لقد كتب الأستاذ أسعد أفندي لطفي في كوكب الشرق، وحسين مسعودي أفندي في المسرح يلومونني على تقاعسي في خدمة المسرح وهذا اللوم كان أكبر مشجع لي في تأليف اثنتي عشرة رواية أخرجت منها اثنتين ولدي عشر روايات: المساواة، المعذبة، والطاعة ، والمداحة ، وحاجب الظُرف ، والجنون فنون ، والوكيل ، وحلاوة البخت ، بنت غلطة ، وأيضاً لدي أربعة مواضيع وضعت لها النقط أو كما يقول المهندسون الكروكي .. ولو رأيت إقبالاً من جانب المسارح التى تفضل التعريب على التأليف لاستطعت أن أخرج في العام عشرين قطعة ، ولكن ما حيلتي وأصحاب الفرق ينصرفون عن الموضوعات المصرية إلى موضوعات تمثل عادات أمم أخرى".حيث انصب اهتمام يونس في كثير من الأحيان على الموضوعات الاجتماعية وتصوير البيئة المحلية . ولقد كتب للمسرح العديد من المؤلفات منها: "كلها يومين"، و"حرم المفتش"، و"التالتة تابته"، و"كيد النسا"، و"كلام فى سرك"، و"المظلومة"، و"حماتى"، و"المخلصة"، و"كليوباترا ومارك أنطوان"، و"مملكة الحب"، و"عروس الشرق"، و"السعد وعد"، و"البدر لاح"، و"البربري في باريس"، و"الدنيا وما فيها"، و"توبة على إيدك"، و" فاتنة الأندلس "، و" آدي العينة " و"الشرط نور"، و"الدموع"، و"رومية الحب"، و"الدجالين"، و"حاجب الظرف"، و"مظلوم يا وعدي"، و"حسن أبو علي سرق المعزة"، و"زقزوق وظريفة "، و"ابن العمدة"، و"سر الطبيعة"، و"الصيام في رجب"، و"اللى وقع يتصلح"، كما كتب فيلم "كله إلا كده لقد اهتم يونس القاضي بالموضوعات التي تمثل المجتمع المحلي، وتعبر عن البيئة المصرية وهو ما أكد عليه معظم نقاد عصره. حيث يعلق "محمد عبد المجيد حلمي" على رواية المظلومة، فيقول: "رواية المظلومة قطعة من الحياة المصرية ويجب أن نقول قطعة من الحياة الحقيقية، ومعنى ذلك أن الحياة المصرية ذات شعب عدة، وذات مناح مختلفة ولها أوجه عديدة، وصور مختلفة، وقد رأينا في روايات مختلفة أن الكتاب يخصون صورة من تلك الصور عنايتهم ويفحصونها فحصاً، ولكن رواية المظلومة تعطينا صورة مكبرة كثيرة الألوان للحياة المصرية في مظاهرها العديدة ....." . ويعلق ناقد آخر على مسرحية " حماتي "، فيقول: " والشيخ يونس مشهود له بالتفنن في أمثال هذه الروايات، فالرجل يغوص إلى أعماق العادات المصرية البحتة، ويدرس تلك المواقف العائلية التى تقع في البيوت كل يوم ثم يقدم صورها العديدة للمسرح المصري". ويستهل ناقد كوكب الشرق في مقاله عن مسرحية " كيد النساء " قائلاً: "تعجبني الروايات المصرية التي يرى الشعب منها مظهراً من مظاهر حياته العامة، وتصور له مرضاً من أمراض حياته الاجتماعية ...." ويشير ناقد روزاليوسف لرواية " حماتي " :"أحسست بشخصيات المسرح حية تعيش على المسرح، لقد رسم المؤلف صور أشخاصه تصويراً طبيعياً خالياً من أي تكلف وصناعة، لمسنا شخصية "خدوجة" في الحياة وعرفنا كذلك "سلمي" و"عنبر" و"عزت" و" شعبان " في بيئتنا المصرية، خلق الشيخ يونس شخصيات روايته وحركها بطبيعتها لا كما يريد هو، فجاءت شخصيات كاملة ناضجة تماما النضج ...." ، هذه الموضوعات وهذا الأسلوب نراه واضحاً في أعماله الزجلية التى عثرت عليها ". ويأتي هذا الكتاب ليقف على جانب جديد من إبداع لم تمتد إليه يد من قبل نقدمه للقارئ، قصائد الشيخ يونس القاضي" التي نشرها في بدايات القرن الماضي موقعةًً باسمه في العديد من الصحف والمجلات والتي غلب على موضوعاته النقد الاجتماعي الذي اهتم به في معظم كتاباته. حسب تواريخ النشر الأقدم فالأحدث ، ليقف قارىء اليوم على الحياة في تلك الفترة ويتعرف على طبيعتها من خلال واحد من أهم مبدعي تلك الفترة، مؤلف نشيد "بلادي بلادي" الذي يردده الجميع دون أن نعرف اسمه، وهو الصحفي والزجال والمؤلف المسرحي والسيناريست وكاتب الأغاني وأحد أوائل الرقباء على المصنفات الفنية ... وواحد من الذين أثروا الحياة الفنية والأدبية في بدايات القرن الماضي إنه الشيخ محمد يونس القاضي.