النظام الأسدي هدد كثيراً، ومنذ اندلاع الثورة السورية، بإغراق المنطقة في مستنقع من الفوضى والحرب والدم، وأن دول الجوار لن تهنأ بالأمن مادام أمن نظامه وعصبته في دمشق مُهدداً، كانت هذه هي جوهر استراتيجية «أنا أو الدمار الإقليمي الشامل»، وكان شبيحة النظام يعبرون بكل صدق وصراحة عن ذلك الواقع بقولهم: «الأسد أو لا أحد!... الأسد أو نحرق البلد!». الإطار الأعم لتلك الاستراتيجية كان في تحويل المعركة العادلة للثورة السورية إلى معركة «نضال إقليمي» يتورط فيها الجميع وتصبح مصلحة الكل مرهونة بالحفاظ على نظام الأسد وإجهاض الثورة، فاتت الفرصة الذهبية في تأييد ودعم الدول العربية ودول الجوار للثورة السورية التي أجبرت على التحول إلى مسلحة من النظام، وبعيداً من الأجندة الغربية وتحفظاتها وتلكئها ونأيها بنفسها، الأمر الذي خدم النظام وأنهك الثورة وشعبها، فحسابات ومصالح العواصم الغربية الحالية والمستقبلية في سورية، خصوصاً واشنطن، تختلف عن حسابات ومصالح الدول العربية، فالسياسة الأميركية إزاء سورية لا تنبع بالضرورة من اعتبارات إنسانية وإنما تصوغها بالدرجة الأولى «أمن إسرائيل»، وعلى ذلك فإن مقدار التأييد للثورة السورية ينضبط على هذا المقياس: هل سورية ما بعد الثورة تشكل تهديداً أكثر أم أقل على إسرائيل؟ إضافة إلى اعتبارات أخرى. أما الحسابات العربية فقد كان المفترض منها أن تنظر إلى أن في خذلان الثوار السوريين إضراراً بمصالح شعوبها وبمصالحها الإقليمية في المنطقة، فحينما كان الجيش الحر، وعلى ضعف إمكاناته، هو العنوان الرئيس للحركة المسلحة، وقبل دخول جماعات التطرف والتعصب وبروز جبهة «النصرة»، ثم فقدان الثورة لوضوحها الأولي وظهور بعض الانقسامات والاختلافات مع ازدياد الشحن الطائفي والثقافة «القاعدية» التي جاءت مع تلك الجماعات، كان إمكان تسليح الجيش الحر وتقويته وتوثيق هرميته مع المجلس الوطني السوري أولاً ثم الائتلاف لاحقاً لا تزال قائمة بحيث تقوم بنية سياسية - عسكرية موحدة تكون هي الناطق الرسمي باسم الثورة والشعب السوري، والطرف الأكثر فعالية من ناحية عسكرية، ولكن التردد العربي والارتهان للموقف الغربي تسببا في تواصل مسلسل الموت الرهيب في سورية وتدمير الوطن والشعب والبنية التحتية فيه، وإطالة عمر النظام وتزايد الجماعات المسلحة التابعة للقاعدة وغيرها، وإن حصل دعم من بعض دول المنطقة إلا أنها لم تلقِ بكامل ثقلها وراء الثوار، مثلما دعمت في المقابل إيران وروسيا وحزب الله الأسد. ربما الكثيرون يتمنون بل وربما هو ما يتمناه الشعب السوري كافة طيلة أكثر من عامين، هو الخروج بحل سلمي وسياسي للأزمة، ولكن النظام السوري الذي أثخن في قتل شعبه أصر على تمسكه بالسلطة ورفض كل تلك المبادرات والحلول السياسية، ولعل آخرها هي مبادرة معاذ الخطيب، الرئيس السابق للائتلاف الوطني، بأن يعلن رئيس الجمهورية الحالي، وخلال 20 يوماً من تاريخ صدور المبادرة قبوله بانتقال سلمي للسلطة، وتسليم صلاحياته كاملة إلى نائبه السيد فاروق الشرع، كما تتضمن السماح للأسد بأن «يغادر البلاد، ومعه 500 شخص ممن يختارهم مع عائلاتهم وأطفالهم إلى أي بلد يرغب باستضافتهم، وتستمر الحكومة الحالية بعملها بصفة موقتة مدة «100 يوم» من تاريخ تسلم الشخص المكلف، وتشمل المبادرة إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وفتح الأراضي السورية أمام جميع أنواع الإغاثة الإنسانية المحلية والدولية، فيما كانت المبادرات من أنصار النظام كروسيا ما هي إلا محاولة لجعل النظام طرفاً أساسياً في أي ترتيبات سياسية مستقبلية لسورية، أي عملياً الإصرار على بقاء الأسد في سدة الحكم، وإجهاض الثورة. اليوم اختلفت الأمور في المشهد السوري بإعلان الولاياتالمتحدة أنها ستعزز دعمها العسكري للمقاتلين الذين يقاتلون النظام وبتأييد ودعم فرنسي، وترقب بريطاني تجاه تصويت مجلس العموم البريطاني بشأن تسليح المعارضة على غرار ما حصل عام 2011 في مناقشة الحظر الجوي على ليبيا، ولعل أبرز العوامل والدوافع التي أدت إلى هذا التحول في المشهد في هذا التوقيت هو: انخراط «حزب الله» في القتال إلى جانب القوات النظامية في سورية وتمكينها من تحقيق تقدم في مناطق مختلفة بالبلاد، وأيضاً كخطوة استباقية لتسلم نظام الأسد صواريخ متطورة من طراز «إس-300» الروسية المضادة للطائرات، التي قد تكون قادرة على منع السيطرة الجوية على سماء سورية، وكذلك تعديل ميزان القوى الميداني من أجل دعم الموقف الغربي في مفاوضات «جنيف»، «25 حزيران (يونيو) الجاري»، بحيث لا تبقى ثمة ورقة رابحة في يد خصومهم، فموازين القوى العسكرية على الأرض هي التي ستفرض أحكامها على قراراته، فالمتوقع في حال لم تحصل إعادة التوازن العسكري على الأرض لن يكون هناك مؤتمر سلام في جنيف، ولن توافق المعارضة على الحضور. فيما يرى المعارضون أن إرسال أي أسلحة من شأنه تعميق الأزمة ومضاعفة حجم المأساة الإنسانية، وأن تجعل الصراع أكثر دموية، وأنها لن تساعد في التوصل لنهاية سريعة للحرب الأهلية في سورية، بل قد تعمل على تصعيدها وإدامتها، ما قد يعني مزيداً من العنف والقتل والدمار، ويظل الثوار السوريون الأكثر اعتدالاً هم الأقدر في تقدير كل تلك الظروف وما فيه مصلحة الشعب من أجل تحقيق انتصار ومآل تقدمي وديموقراطي وسريع للثورة، وكما قال أحمد معاذ الخطيب «إذا أراد أحد أن يساعد السوريين فليساعدهم كما هو وضعهم وليس وفق رؤيته الخاصة». * كاتب سعودي. [email protected]