تتابع ماريلين روبنسن حياة القس جون إيمز في روايتها «لايلا» الصادرة عن دار فيراغو، بريطانيا، لتكمل ثلاثية تشمل «غيلياد» الحائزة جائزة بوليتزر في 2004 و»البيت» التي نالت جائزة أورانج للأدب النسائي في 2009. تعود إلى عشرينات القرن العشرين لتبدأ بسرقة طفلة على مدخل صلاحية للأحداث النازحين من وسط أميركا الغربي خلال الكسود الاقتصادي. كانت في الرابعة أو الخامسة، واختبأت باكية تحت الطاولة. وحدها دول، التي لم تملك غير سكين حاد وقلب كبير، اهتمّت بها، وحين عادت من عملها ليلاً لتجدها على المدخل، حملتها ولجأت الى بيت امرأة مسنّة. قصّتا شعرها لتقضيا على القمل، فركتا لسعات البراغيث وغسلتاها فتجمّع الماء الأسود في وعاء الاستحمام. ألهب الصابون عينيها فغضبت وتمنّت أن تهترئا في جهنم. دعتها العجوز لايلا تيمّناً بشقيقتها، وأملت بأن تصبح جميلة كاسمها. رأت دول أن حظ الطفلة في البقاء سيكون أفضل معها مما هو مع والديها القاسيين. هربت بها والتحقت بجماعة من العمال المتجولين. طاردها الأهل بدافع الانتقام لا الحب، وبدأت رحلة أنقذت حياة الطفلة وإن حكمت عليها بالاغتراب. تتشرّد دول ولايلا، تجوعان، تنامان في العراء، لكن الطفلة تجد تعويضاً في الأمومة الحقيقية التي تخبرها مع الغريبة. تخاطر المرأة المطلوبة من الشرطة بالبقاء سنة كاملة في بلدة لكي تذهب لايلا الى المدرسة. تنفصلان عن رفاق الترحال، ثم تفقد الفتاة دول أيضاً حين تقتل والدها. ترث سكينها الذي تبقيه قربها لتتذكر الحياة القلقة، الخفيّة التي تعيشها. «كان للآخرين منازل وبلدات وأسماء ومقابر. كان لهم مقاعد في الكنيسة. كل ما ملكته كان ذلك السكين. والخوف والوحدة والندم. تلك كانت الدوطة التي جمعتها». تنتهي في دار دعارة في سانت لويس حيث تتعرّض لمحاولات فاشلة في التجميل والتأنيث. لم تكن جميلة، وترسّخ بؤسها في وجهها. تتولى تنظيف الدار، ثم ترحل بالمصادفة إلى آيوا. صباح أحد ماطر تدخل لايلا كنيسة جون إيمز لتحتمي داخلها. يجفل القسّ الذي كان يلقي عظة عن النور الإلهي، ويُحرَج. يحب الغريبة، التي تخفي سكيناً وأسراراً وكبرها بأكثر من الضعف، منذ اللحظة الأولى. قاوم أربعين عاماً الزواج مجدداً بعد وفاة حبيبته، زوجته الأولى، وطفلهما أثناء الوضع. كان في السابعة والستين، وشعر أنه يعرفها. ردّت أنه لا يعلم عنها أي شيء إطلاقاً. تذكر روبنسن القليل عن لايلا في «غيلياد» و»البيت»، لكن إيمز يلمّح في الرواية الأولى الى ماضي زوجته في رسائله الى ابنه. «لا أقصد إلا الاحترام حين أقول إن والدتك أوحت لي أنها شخص قد يكون الرب اختار أن يمضي بعض الوقت في شأنها». مرّة أخرى تجذب الخاطئة رجل الدين الذي يملك سلطة الإدانة والغفران. تخجل لايلا من فقرها، جهلها، بيعها جسدها وافتقارها الى الجمال. يكاد يؤلمها جسدياً بلطفه، ويغريها الرحيل لأنها لا تثق بأحد، فيقول :»لا عجب أنك متعبة». تبقى في بيت الكنيسة وتعنى بحديقتها، فتنتعش مزروعاتها خصوصاً الورد. يسألها على النهر كيف يكافئها فتطلب منه الزواج، ثم تغيّر رأيها. سيتفحّصها الناس ويتساءلون ما إذا كانت جديرة برجل الدين، ولهذا السبب أيضاً لا تستطيع العمادة. لكنها لا تحتاج الى كنيسة لذلك، يقول، ويعمّدها على النهر الذي اصطادت منه للتوّ سمكة السّلور. يتحسّر على بقائه طوال عمره في غيلياد، وعدم إنجابه. صديقه روبرت بوتون، الكاهن في الكنيسة المشيخية، أنجب ثمانية أولاد، ولم يحتمل إيمز دخول منزله حين كانوا أطفالاً. كانت لايلا نقيضه. نشأت بلا دين، بلا جذور، ونجت لأنها أغلقت قلبها للعالم. ينال كل منهما ما يريده من زواجهما، لكنها ما أن تنجب طفلاً حتى يخبره الطبيب أنه مصاب بمرض في القلب وعمره محدود. وهي تحس مذ استقرّت بقلق الأرض تحتها، وتفكر أنها قد ترحل في أي لحظة. تبقى لغزاً بعد عقد من الزواج، ولا يناديها باسمها. يسمعها تغني لروبي، ولا يميّز الأغنية، لكنه لا يسألها. كان جاك، ابن الكاهن بوتن، تسبّب بحمل فتاة في الخامسة عشرة وترك البلدة ثم عاد بعد عشرين عاماً. يحوم حول لايلا وروبي فيكرهه إيمز الذي يصرّ على أنه ليس قديساً. تركّز الكاتبة الأميركية على المكان والانتماء والدين في أعمالها القليلة، وتنضح شخصياتها بالتزامها وكرمها الروحي. تقلق لايلا لأن الخالق يسمح بالأذى الذي يلحق بالإنسان، ويقول إيمز إن نعمته غامضة وكذلك الحياة. وتسأل إذا كانت أرواح بائعات الهوى في سانت لويس ستنتهي في الجحيم، فيجيب إنه لا يستطيع مصالحة جهنم مع سائر ما يؤمن به. في «غيلياد» يقتبس من جون كالفن، أحد مفكري روبنسن المفضّلين، ليقول إن الإدانة شكلية لا حرفية، والجحيم ليست ناراً بل أكثر الأمكنة وحشة في الروح. الحب خلفنا أمضى الكاتب الملحد عشرة أعوام على رواية عن الإيمان. تناول ميشال فابر العنف ومزارع استيلاد البشر في «تحت الجلد» في 2000، البغاء في الحقبة الفكتورية في «البتلة القرمزية والبيضاء» في 2002 والأصولية الدينية وقسوة عالم النشر في «إنجيل النار» في 2008. الكاتب الهولندي الأسترالي الذي يعيش في سكوتلندا يبتعد سنوات ضوئية في «كتاب الأشياء الجديدة الغريبة» الصادر عن «كاننغيت» الى كوكب سي 2 أو الواحة حيث تدير شركة غامضة تدعى يوسيك المستوطنة البشرية. تطلب هذه مبشّراً لسكان الكوكب الأصليين المصابين بمرض خطير، والمتعطشين الى كلام الإنجيل، كتاب الأشياء الجديدة الغريبة. يتقدم بيتر لي ليلبّي ما يعتبره مشيئة الله، وينجح في امتحانات الشخصية الكثيرة. يترك خلفه بياتريس، زوجته المحبوبة وشريكته في التبشير ليجد شعباً مؤدباً، مرحّباً، بلا أعين أو أفواه. يتلقى بيتر سريعاً رسائل مقلقة من بياتريس. يدمّر إعصار كوريا الشمالية، يمحو تسونامي المالديف ويقسم زلزال إنكلترا. هل حُكم عليه أن يبقى منفياً في عالم جديد بعيداً من زوجته المهدّدة في عالم قديم ينتهي؟ لماذا تريد الشركة التي تبني سي 2 نشر الدين فيها، وهل يرحّب السكان الأصليون حقاً بالمسيحية؟ تمتحن التحديّات إيمان بيتر وحبه لزوجته، ويستفيد فابر من عيشه بعيداً من انتمائه الملتبس ليرسم منفى المبشّر. يحترم إيمان بيتر العميق، ويتجنّب الصورة النمطية لرجل الدين الكاذب، الجشع الذي ينبغي أن نسمع أقواله ولا نفعل أفعاله. يشارك هذا في فرض حضارة على أخرى، ويؤمن كمستعمر حقيقي أنه يخدم أهل الكوكب، لكن رجل الدين الذي سبقه يدعى كرتزبرغ، ويذكّر بكرتز، تاجر العاج في «قلب الظلام» الذي تحوّل من أمبريالي محبوب الى دكتاتور ينصب التماثيل لنفسه ويطلب من الأفارقة عبادته. تلك اللحظات لم يرَ رئيس الكنيسة الأنغليكانية في العالم ما يمنع الاعتراف بالشك. في مقابلة مع «بي بي سي» الشهر الماضي في كاتدرائية بريستل، قال جاستن ولبي، رئيس أساقفة كانتربري، أمام حضور بالمئات إنه تساءل، وهو يركض ويصلّي صباحاً ، لماذا لا تُمنع المظالم. ليس هذا ربما ما يريد المؤمنون سماعه من رئيس 80 مليون أنغليكاني، قال، ولكن ثمة لحظات يتساءل فيها عن وجود الماوراء. «أحب المزامير، والمزمور 88 مليء بالشك». تحدّث عن يقينه بوجود يسوع وإحساسه بوجوده قربه:«نعلم بوجود يسوع، لا نستطيع أن نفسّر كل أمور العالم» من عذاب والكثير غيره «لكننا نعلم بوجود يسوع ونستطيع الحديث عنه». حين سألته «بي بي سي» عما يفعله حين تكثر تحدّيات الحياة قال إنه يطلب منه المساعدة تكراراً «فينشلني». كان رئيس الأساقفة تناول الأمور اليومية مراراً، وانتقد الزيادة في فواتير الطاقة، وخفض الحكومة مساعداتها الاجتماعية والفائدة المرتفعة للشركات الدائنة. اهتمّ ولبي بتحديث الكنيسة، وخاب حين صوّت رجال الدين ضد تعيين النساء أساقفة في 2012 قائلاً إنه يوم كالح. ماريلين روبنسن ميشال فابر جاستن ولبي