في نهاية شهر كانون الأوّل (ديسمبر) الجاري، يتقاعد رئيس أساقفة الكنيسة الانغليكانية (مقرها في مدينة كانتربري) روان ويليامز بعد أن شغل هذا المنصب على مدى عشر سنوات. لم يخشَ مواجهة رئيس الوزراء والحكومة الحالية حول مسائل أخلاقية ودينية أساسية مرتبطة بغزو العراق عام 2003 أو بدور قانون الشريعة في المملكة المتحدّة. وسيتمّ الافتقاد كثيراً لهذا المفكّر الصريح والبارز على الساحة. وفي 9 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي تم تعيين أسقف دورهام، جاستن ويلبي ليكون الأسقف الخامس بعد المئة للكنيسة الانغليكانية. وتولّى منصب أسقف دورهام منذ أقلّ من سنة. ويعدّ تعيينه بمثابة مغامرة. فقد صرّح هذا الرجل البالغ من العمر 56 عاماً والذي تلقى تحصيله العلمي في كلية إيتون شأنه شأن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وأعضاء آخرين في الحكومة، لوسائل الإعلام عن «تفاجئه» و«حماسته» لاختياره لقيادة الكنيسة الأنغليكانية المنتشرة في جميع أنحاء العالم والتي تضمّ 77 مليون نسمة. والغريب أنّ لجنة تولّت عناء اختياره سرّاً وتمّ تعميم تعيينه قبل الإعلان الرسمي عنه. بعد أن تخرّج في المدرسة، عمل متطوّعاً على مدى سنة في أفريقيا وظلّ مهتماً بالمسائل الأفريقية لا سيّما الفقر. وبعد أن تخرّج في جامعة كامبريدج، عمل في شركة النفط الفرنسية «إيلف أكيتان» قبل أن ينتقل للعمل في شركة «إنتربرايز أويل» ويتبوأ منصب أمين صندوق المجموعة. وتخلى عن راتب سنوي كان يصل الى مئة ألف جنيه استرليني كي يصبح كاهناً. كما عمل في أبرشيتين فقيرتين قبل أن يصبح قساً في كاتدرائية كوفنتري. وعمل في المركز الدولي للمصالحة وكان مبعوث السلام الخاص لرئيس أساقفة كانتربري في عدد من المناطق الساخنة في أفريقيا بما فيها نيجيريا. واستحوذت المساعدة على تحسين العلاقات بين المسيحيين والمسلمين على معظم وقته. وبما أنّه أسقف دورهام، فهو يملك مقعداً في مجلس اللوردات وعبّر عن آراء حازمة حيال الأزمة المالية وسلوك المصارف الكبيرة. وأعلن ذات مرة أنّ المصارف يجب أن تساعد الناس «بدلاً من أن تكون موجودة كي يساعدها الناس». وتحدّثت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية عن عمل رئيس أساقفة كانتربري بالقول «تمّ تصميم المهام بشكل غريب. فهي تقوم من جهة على إدارة مجموعة دولية منتشرة في جميع أنحاء العالم ومفكّكة وعلى تلزيم القيادة الفكرية إلى دين قديم يناضل مع الحداثة وعلى التصرّف كمشجع وطني في المناسبات التي تنظمها الدولة». سيتسلم جاستن ويلبي مهامه في كنيسة إنكليزية تعاني مأزقاً كبيراً. إذ أنّ ارتياد الكنيسة في بريطانيا تراجع بسرعة فيما يجبر نقص الأموال الكنائس على إغلاق أبوابها. ويفتقر القساوسة إلى المال اللازم فيما رواتبهم ومعاشات تقاعدهم متدنية. وبدت الكنيسة منقسمة عام 2012 حول مسائل متعلّقة بتعيين الاساقفة من المثليين وتعيين اساقفة من النساء. وانتقل بعض الكهنة ورعاياهم إلى الكنيسة الكاثوليكية. وتشكّل اللامبالاة والشعور العام بأنّ الكنيسة لم تعد على تواصل مع المجتمع مشكلات كبيرة. وفي الخارج، تشهد الطائفة الأنغليكانية انقسامات أكثر عمقاً في صفوفها. وفي أفريقيا، يشعر البعض باليأس بسبب غياب القيادة من بريطانيا حول مسائل مرتبطة بالمثلية الجنسية. وبرز اقتراح مفاده أنّ رئيس أساقفة كانتربري مهما كانت هويته ليس الشخص المناسب لقيادة هذه الكنيسة وأنّه يجب اختيار شخصية أخرى رفيعة المستوى. وعبّر جاستن ويلبي الذي يملك روابط وثيقة بالجناح الإنجيلي في الكنيسة عن معارضته زواج مثليي الجنس في الكنيسة. إلا أنه يدعم تعيين أساقفة من النساء. وحقّق عدد كبير من النساء الكهنة نجاحاً فيما يعدّ حرمانهم من الترقية موقعاً ضعيفاً للكنيسة في حين تحتل المرأة أعلى المناصب في الحياة العامة. ويقال إنّ تعيين جاستن ويلبي سيليه تعيين أول امرأة أسقف في بريطانيا. * سياسي بريطاني ونائب سابق