بعد أكثر من شهر على انتهاء الانتخابات المحلية، يبدو الحديث مبكراً عن حظوظ الائتلافات السياسية الكبيرة في الانتخابات النيابية العراقية، لكن ما تبقى من عمر الدورة البرلمانية الحالية لا يمثل فاصلاً زمنياً طويلا لدى القوى الرئيسة التي تراهن على الفوز مجدداً وتقاسم مقاعد البرلمان. ومع عدم تمكن القوى الفائزة في الاقتراع المحلي حتى الآن من الوصول إلى اتفاق يتيح تشكيل حكومات المحافظات التي جرت فيها انتخابات نيسان (أبريل) الماضي، وعددها 12 محافظة تطرح تساؤلات عن حجم التعقيد الذي سيواجه الكتل السياسية التي ستتقاسم الخريطة الانتخابية في انتخابات العام 2014. فالقوى التي تنوي دخول الانتخابات العامة تدرك جيداً أن التغيير في مستوى أحجامها إذا حصل سيكون طفيفاً، نظراً لقصر الفترة الفاصلة بين العمليتين الانتخابيتين. ومع أن القوى السياسية مجتمعة مقتنعة بأن الأحجام الانتخابية التي عكستها الانتخابات المحلية لم تتعرض لتغيير جذري، مع استثناء صعود ملحوظ لكتلة عمار الحكيم (المواطن) وتراجع طفيف لكتلة مقتدى الصدر (الأحرار) ونوري المالكي (دولة القانون) مقارنة بانتخابات 2009، لكنها لا تواجه جميعها هاجس استبدال «الشراكة» او «التوافق»، باستثناء فريق رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي أعلن مراراً نيته في حال الفوز اعتماد نظام الغالبية السياسية في تشكيل الحكومة القادمة، لكن ذلك لم يتحقق في السباق المحلي، حيث لم يشفع حلوله بالمرتبة الأولى في سبع محافظات بالحصول على العدد الكافي داخل مجالسها يمنحه القدرة على تشكيل الحكومات المحلية منفرداً، ودفعه باتجاه خوض حوارات مع القوى الأخرى التي تصدرت معه المشهد الانتخابي. ومن هنا، فإن الحديث المتداول سراً وعلناً بين الأقطاب حول الدورة الانتخابية الجديدة وحظوظ القوى الرئيسة، لا يبتعد عن ثلاثة سيناريوات، الأول يذهب باتجاه التركيز على حاجة المالكي أكثر من غيره لإعادة إنتاج التوافق من دون المراهنة على الأغلبية، مع رغبته في الوصول إلى الولاية الحكومية الثالثة، وهذا الاعتقاد يكتسب قوته من نتائج متقاربة أفرزها الاقتراع المحلي، مع إقرار غير معلن يتحدث عن صعوبة جمع شركاء أكراد وسنة، في الغالبية السياسية المقترحة، خاصة مع تأكيد مؤيدين للمالكي أن مشروعه لا يستهدف إنشاء «ديكتاتورية الغالبية المذهبية» بل الذهاب نحو غالبية تعددية. السيناريو الثاني يتحدث عن إدراك القوى السياسية الرئيسة خطورة البقاء على حالة الخصام حتى الانتخابات المقبلة والبحث عن حلول تحافظ على الأقل على «التوازن» المعتمد منذ تشكيل أول حكومة بعد عام 2003 باستثمار الشراكة لكونه الخيار الأوفر حظاً من «الغالبية». ويستند هذا الطرح إلى القبول السريع الذي أبدته الكتل بالمشاركة في اجتماع الطاولة المستديرة برعاية رئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم، في حين فشلت دعوات سابقة مماثلة على مدى أكثر من ثلاث سنوات مضت. ويقول القيادي في «حزب الدعوة» عبد الهادي الحساني، إن «نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة أفرزت نتائج متقاربة لجميع الكتل التي شاركت بالانتخابات، بمعنى أنها فرضت على الجميع الدخول بتحالفات استراتيجية حتمية للوصول إلى شراكة وطنية في إدارة شؤون السلطات المحلية». ويضيف قائلاً ل «الحياة»: «قد يتكرر المشهد خلال الانتخابات النيابية المقبلة، الأمر الذي يجبر الجميع على تجاوز خلافاتهم المتجذرة، فالعراق يمر بمرحلة انتقالية مهمة لترسيخ معالم الديموقراطية الحقيقية، وهذا لا يتم بسهولة كما يظن البعض». أما السيناريو الثالث، فيتبناه أصحاب الكتل السياسية غير المضطرة للعمل من الآن على إيجاد ما يضمن العودة مجدداً للتحالفات السابقة وانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات العامة، والمراهنة على تغيير في خيارات البيئة الناخبة، لكن هذا الحديث هو الأقل تداولاً، مع الاتفاق على صعوبة حدوث اختلاف حاسم بين العمليتين الانتخابيتين. ويقول السياسي المستقل أحمد الأبيض ل «الحياة»، إن «المراهنة على تغيير توجهات البيئة الناخبة غير ممكن في ظل بقاء الشد الطائفي المحرك لكل عملية انتخابية والظروف الإقليمية المؤثرة في الداخل العراقي». ويضيف: «في حال تمت الانتخابات بداية العام 2014، فإن التوافق بين السنة والشيعة والأكراد باق للدورة البرلمانية المقبلة، لكن قد تضطر القوى الرئيسة إلى تغيير الأشخاص الحاليين، لخسارتهم جزءاً من التأييد الشعبي بسبب بعض المواقف». ويشير الأبيض إلى «صعوبة إخراج غالبية سياسية من رحم حالة التوافق القائمة على التحاصص الطائفي والقومي، وما يحيط بالعراق من ظروف في المنطقة، إضافة إلى أن قانون انتخابات ما زال ينتج كتلاً منتمية طائفياً وديموغرافياً». ومع ما يطرح من تصورات، فإن محاولة توقع ملامح المشهد السياسي العراقي بعد الانتخابات المقبلة، يتطلب عدم إغفال مجموعة معطيات، منها أن الفوارق بين الكتل السياسية في الانتخابات المحلية بسيطة وغير حاسمة لطرف دون آخر، لأن الإحصاءات تؤكد أن الأصوات التي حصلت عليها كتلتا «الحكيم» و «الصدر» متساوية أو تزيد بقليل عما حصل عليه ائتلاف المالكي، ما يعني أن نصف مؤيدي قوى التحالف الوطني انتخبوا غير قائمة رئيس الوزراء، إضافة إلى أن الأطراف السنية التي اقتربت من ائتلاف «دولة القانون» خلال أزمة التظاهرات، مثل كتلة صالح المطلك، لم تحتل المرتبة الأولى في مناطقها. كما أن خلافات الداخل الكردي لا تبدو مؤثرة على صعيد الانتخابات العامة وتوجهات القوى السياسية، فالمؤيدون لرئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني ومعارضوه، يرون في نقاط الخلاف مع بغداد، وفي مقدمها قضية كركوك، مادة مشتركة. كل ذلك قد يعني أن على القوى الرئيسة في العراق التفكير مرة أخرى بالتوافق، لكن عبر تعريف أكثر وضوحاً، لا يكتفي بالمحاصصة في المناصب، بل يتعداه إلى حسم القضايا الاستراتيجية العالقة.